رغم قيام كورونا بمهاجمة العالم بأنياب حادة كسيف الساموراي الياباني، وشل حركة اقتصادات العالم القوية بمخالب من حديد، إلا إنني رأيت مقولة العرب القديمة (ليس هناك شر محض وليس هناك خير محض) واضحة وضوح الشمس. رغم ضربات كورونا المميتة، إلا إنه جلب إلينا آفاقا إيجابية جديدة، ومساحات خضراء مفتوحة.
كأن العالم ونحن احتجنا إلى هذه الجائحة لتصحيح المفاهيم.
قبل كورونا، كانت أبصارنا شاخصة في توافه الأمور، وتعلقت قلوبنا مع مشاهير التواصل، الفارغة فكريا، كنا نأكل سريعا ونتحدث سريعا، ولجنا مرحلة التيه من حيث لا نشعر، وهجرنا التؤدة كمصحف في بيت زنديق، نسير في الحياة كراكب قطار «الرصاصة» الياباني السريع، لا نعلم محطتنا التي سننزل إليها، حتى هجم علينا كورونا وأوقف قطار حياتنا السريع ونزلنا إلى المحطة بغير إرادتنا ولا نعرف أين السبيل.
ومن رحمة الله بنا وبالعالم، أن المحطة كانت البيت.
البيت الذي كنا نرغب بالخروج منه، كرغبة الطير الخروج من قفص طفل مدلل، البيت الذي نتمثل بيت المتنبي حال مكوثنا فيه «على قلق كأن الريح تحتي».
استنكر الناس المكث في البيت في بادئ الأمر وأسقط في أيديهم، ولسان حالهم يقول «أشد أنواع الغربة هي الشعور بالغربة داخل وطنك، وأشد أنواع السجون هي السجن في بيتك»، لكن كما قال الشاعر /
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
المشكلة لم تكن ضوء الشمس الدافئ ولا طعم الماء الزلال، كانت المعضلة رمدا في أعيننا، وسقما في أجسادنا.
مرت الأيام الأولى لكورونا، وأدركنا أن ليس هناك ثمة مخرج، والمكوث في البيت أصبح واقعا لا مفر منه.
تمثلت الدولة دور الأب الحاني، واهتمت بكل صغيرة وكبيرة لحماية الجميع، وفي نفس الوقت، رفعت شعار المرحلة الحازم «كورونا أمامكم وغرامة العشرة آلاف ريال خلفكم». دقت الساعة، وأزفت المرحلة، وبدأت مرحلة الحجر المنزلي عدنا إلى البيت بعد أن نزعنا دروع الحياة الرتيبة، ورمينا أسلحتنا المدججة، ورفعنا راية الاستسلام. في أرض معركة الحجر المنزلي، أخذنا نلملم جراحنا، ونطبب آلامنا، ونعالج خدوش وكدمات حياة ما قبل كورونا.
الشهر الأول من الحجر المنزلي، كان قمة ألم المخاض، لولادة سعيدة لحياة جديدة. ولدت المولودة الجميلة (حياة الحجر المنزلي)، كأنك ترى البدر التمام، لطيفة المعشر، رقيقة الملمس، هادئة الطباع، تسكن إليها النفس، تتألف بها الأرواح. مع قدوم المولودة الجديدة، آبت إلينا أرواحنا، وسكنت فيها نفوسنا، وتغيرت بها طباعنا، واكتشفنا ذواتنا، طاب معها زادنا، وارتقت فيها معارفنا. وهبتنا تلك المولودة الجديدة، عيونا فاحصة، وآذانا رقيقة، وصدورا منشرحة، ونفوسا راضية. انتشر عبير المولودة الجديدة في أرجاء المنزل كأجود أنواع العطور
الفرنسية والبخور الكمبودية، وشربنا من رحيقها المختوم، فكان الختام مسكا.
مع إعلان الدولة عن فك الحظر بعد شهر شوال، تولد لدي مزيج من المشاعر السعيدة والحزينة في آن واحد. هل نفرح لعودة الحياة الطبيعية، حياة الخروج بلا قيود، والتنزه بلا أصفاد، حياة المساجد وصلاة الجماعة. أم هل نحزن باحتمال مغادرة المولودة الجديدة، ذات الأربعة أشهر مع قرار فك الحظر.
عاهدت نفسي أن أحتفظ وأهتم بمولودتي الجديدة، تترعرع بين يدي، مع العودة للحياة الجديدة والاستمتاع بها، ولتذهب كورونا لوحدها إلى الجحيم.
كأن العالم ونحن احتجنا إلى هذه الجائحة لتصحيح المفاهيم.
قبل كورونا، كانت أبصارنا شاخصة في توافه الأمور، وتعلقت قلوبنا مع مشاهير التواصل، الفارغة فكريا، كنا نأكل سريعا ونتحدث سريعا، ولجنا مرحلة التيه من حيث لا نشعر، وهجرنا التؤدة كمصحف في بيت زنديق، نسير في الحياة كراكب قطار «الرصاصة» الياباني السريع، لا نعلم محطتنا التي سننزل إليها، حتى هجم علينا كورونا وأوقف قطار حياتنا السريع ونزلنا إلى المحطة بغير إرادتنا ولا نعرف أين السبيل.
ومن رحمة الله بنا وبالعالم، أن المحطة كانت البيت.
البيت الذي كنا نرغب بالخروج منه، كرغبة الطير الخروج من قفص طفل مدلل، البيت الذي نتمثل بيت المتنبي حال مكوثنا فيه «على قلق كأن الريح تحتي».
استنكر الناس المكث في البيت في بادئ الأمر وأسقط في أيديهم، ولسان حالهم يقول «أشد أنواع الغربة هي الشعور بالغربة داخل وطنك، وأشد أنواع السجون هي السجن في بيتك»، لكن كما قال الشاعر /
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم
المشكلة لم تكن ضوء الشمس الدافئ ولا طعم الماء الزلال، كانت المعضلة رمدا في أعيننا، وسقما في أجسادنا.
مرت الأيام الأولى لكورونا، وأدركنا أن ليس هناك ثمة مخرج، والمكوث في البيت أصبح واقعا لا مفر منه.
تمثلت الدولة دور الأب الحاني، واهتمت بكل صغيرة وكبيرة لحماية الجميع، وفي نفس الوقت، رفعت شعار المرحلة الحازم «كورونا أمامكم وغرامة العشرة آلاف ريال خلفكم». دقت الساعة، وأزفت المرحلة، وبدأت مرحلة الحجر المنزلي عدنا إلى البيت بعد أن نزعنا دروع الحياة الرتيبة، ورمينا أسلحتنا المدججة، ورفعنا راية الاستسلام. في أرض معركة الحجر المنزلي، أخذنا نلملم جراحنا، ونطبب آلامنا، ونعالج خدوش وكدمات حياة ما قبل كورونا.
الشهر الأول من الحجر المنزلي، كان قمة ألم المخاض، لولادة سعيدة لحياة جديدة. ولدت المولودة الجميلة (حياة الحجر المنزلي)، كأنك ترى البدر التمام، لطيفة المعشر، رقيقة الملمس، هادئة الطباع، تسكن إليها النفس، تتألف بها الأرواح. مع قدوم المولودة الجديدة، آبت إلينا أرواحنا، وسكنت فيها نفوسنا، وتغيرت بها طباعنا، واكتشفنا ذواتنا، طاب معها زادنا، وارتقت فيها معارفنا. وهبتنا تلك المولودة الجديدة، عيونا فاحصة، وآذانا رقيقة، وصدورا منشرحة، ونفوسا راضية. انتشر عبير المولودة الجديدة في أرجاء المنزل كأجود أنواع العطور
الفرنسية والبخور الكمبودية، وشربنا من رحيقها المختوم، فكان الختام مسكا.
مع إعلان الدولة عن فك الحظر بعد شهر شوال، تولد لدي مزيج من المشاعر السعيدة والحزينة في آن واحد. هل نفرح لعودة الحياة الطبيعية، حياة الخروج بلا قيود، والتنزه بلا أصفاد، حياة المساجد وصلاة الجماعة. أم هل نحزن باحتمال مغادرة المولودة الجديدة، ذات الأربعة أشهر مع قرار فك الحظر.
عاهدت نفسي أن أحتفظ وأهتم بمولودتي الجديدة، تترعرع بين يدي، مع العودة للحياة الجديدة والاستمتاع بها، ولتذهب كورونا لوحدها إلى الجحيم.