مشعل أبا الودع

جو شعبي قديم، كتاب قصة وقصيدة يحمل أدق التفاصيل وأغنية شعبية نفهم كلماتها لكن لحنها كافٍ ليدغدغ وجدانك... كوب قهوة مشقر لونه ولحاف الجدة المصنوع من الصوف يغطيك بدفء.

لا شك أنك انتقلت معي عبر خيالك إلى هذا الديكور، الذي حملتك إليه نوستالجيا الشتاء والأجواء الباردة خارج أسوار البيت... إلى الفصل الذي يقصر نهاره ويطول ليله، وإلى الأيام التي يزورك فيها الحنين ويرهف قلبك ويزداد منسوب عاطفتك، بعيدا عن المنطق يميز الأيام الأخرى.

يقال إن نسب الأنوثة والذكورة فينا تختلف حسب الفصول، ونلاحظ تغير اهتماماتنا وميولاتنا كلما غيرت الأرض رداءها... فمثلا الصيف يكون جافا ولكن به تزداد أوراق الأشجار نضارة، وتزداد معها قلوبنا انفتاحا على المغامرات الشيقة والتجارب الجديدة، نكون في حالة من الحركة والتمرد. أما في الشتاء فتسقط الأمطار وتهب الرياح من كل اتجاه لتعري الأرض والشجر، وتعري معها قلوبها لتكشف عن المكنون بداخلها، وتجعل كل الأشياء الخفية، التي طمرناها في الصيف تطفو على السطح فارضة نفسها بقوة.

موعد الشتاء قريب، ولهذا من المفروض أن نحضر العدة مسبقا ولنكون جاهزين لاستقباله، وكذا استقبال العواطف، التي ظننا أنها رحلت ولن تعود، وكل ما كان يسكن حافة الذاكرة يعود أدراجه من جديد... حتما ستكتشف روحا أخرى وشخصية مغايرة، وستفاجأ بجريان الذاكرة وفيضانها... ستتشبث بأشياء جديدة وستتخلى عن أخرى... هيئ نفسك للتغيير الذي سيجدف بك نحو آفاق مغايرة وتجارب مختلفة، التي ستجعل منك شخصا آخر في نهاية المطاف.

فصول تأتي وأخرى تذهب، ولكل واحدة خصائصها التي تميزها... ولأننا في اتصال تام مع كل عناصر الطبيعة، علينا أن ننتبه لسلوكياتنا حسب كل فصل وتفرضه طاقته للانصياغ وراءها.

فصل الشتاء على الأبواب، لندخله إذن بعزم وشجاعة ولنغير نظرتنا للمعاني القائمة من حولنا. لنختر لأنفسنا عادات جديدة نزين بها أيامنا القادمة ولنستقبل تلك المشاعر المفاجئة بصدر رحب؛ لأنها حتما ستغير من نظرتنا للأمور وستجعلنا أكثر قوة لاستقبال الفصول القادمة.

alharby0111@