اليوم - الدمام

بدأ في الألف الرابع قبل الميلاد بلوحات حجرية مسطحة وارتقى إلى تحف فنية عالمية

تتميّز مناطق شمال المملكة، خاصة في العلا وتيماء وحائل، وشرق المملكة، خاصة جزيرة تاروت، بأنها شهدت حضارات متقدمة ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، انعكس ذلك على ما أنتجته تلك الحضارات من إرث متنوع من بينه التماثيل التي عُثر عليها في السنوات الأخيرة، والتي كشفت عن تقدّم هذه الحضارات في أسلوب النحت وجمالية الرسم وتنوّع الموضوع، وتطوّرت مدرسة النحت في هذه الحضارات بابتكار أساليب فنية انتشرت في مناطق أخرى من العالم.

حضارة دادان

ويشير علماء الآثار إلى أن حضارة دادان بالعلا كانت في عهد اللحيانيين، خلال الألف الأول قبل الميلاد، واحدة من أهم مراكز فن نحت التماثيل في الجزيرة العربية والعالم، ووفقًا لدراسة صادرة عن الجمعية السعودية للدراسات الأثرية لكل من أستاذي الآثار بجامعة الملك سعود د. عبدالعزيز الغزي، ود. سعيد السعيد، فإن بوادر نحت التماثيل في مواقع متفرقة من الجزيرة ظهرت خلال الألف الرابع قبل الميلاد، حيث عُثر على بعض التماثيل في حائل والعلا، اتسمت بأنها أقرب ما تكون إلى اللوحات الحجرية المسطحة، ولذا أطلق البعض عليها لفظة النصب أو المسلات، حيث يظهر شكلها العام مستطيلًا وتنتهي من أعلى بالرأس المدبب، ونحتت ملامح وجوهها بطريقة الحز، والذراعين الملتصقين بالجسد، والأيدي أسفل الصدر، واتسمت بعدم تحرير أجزاء التمثال من بعضها، فظهر كأنه كتلة حجرية جامدة.

جزيرة تاروت

وأوضحت الدراسة أنه ظهرت البدايات الأولى للنحت في شرق الجزيرة العربية في نفس الفترة تقريبًا، حيث عُثر في جزيرة تاروت على تمثالين مؤرخين بالألف الرابع قبل الميلاد، تشير ملامحهما إلى انتمائهما إلى عصر حضارة العبيد، وتطور نحت التماثيل في شرق الجزيرة العربية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، حيث ظهرت الهيئات الآدمية في جزيرة تاروت بملامح واضحة ونسب جيدة، وتمكّن الفنان من تحرير أطراف التمثال، فظهر عنصر التفريغ واضحًا في الفصل بين الساقين من ناحية، وبين الذراعين والجذع من ناحية أخرى.

تطور كبير

ومنذ أواخر الألف الثاني، وخلال الألف الأول قبل الميلاد، خطا فن النحت خطوات واسعة من التطور في أغلب مناطق الجزيرة العربية، واتسم في حضارة مدين بشمال غرب الجزيرة العربية بالتنوع، سواء بالنسبة لموضوعاته التي شملت أشكالًا آدمية وحيوانية ذات أغراض دينية أو اقتصادية، أو بخصوص المواد المشكّلة منها هذه المنحوتات، والتي شملت الطين والفخار والحجر، فضلًا عن النحاس.

وخطا النحت في تيماء أيضًا خطوات واسعة من التطور والرقي، سواء ما يتعلق منها بالتماثيل الآدمية أو الحيوانية والمنحوتة من الحجر.

وتميّز موقع الفاو «قرية»، والذي كان عاصمة لمملكة كندة، بثراء وتنوّع منحوتاته، سواء من حيث موضوعاتها أو مواد تشكيلها أو أساليبها الفنية، حيث عُثر فيها على مجموعة مهمة من التماثيل التي شملت التماثيل المعدنية والحجرية والطينية والخزفية.

التماثيل المعدنية

ويتضح من خلال مجموعة التماثيل المكتشفة في حضارة دادان بالعلا، أنها كانت في عهد اللحيانيين واحدة من أهم مراكز فن نحت التماثيل في الجزيرة العربية خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، والتي لم يقتصر فن النحت فيها على التماثيل الحجرية فقط، وإنما دلت النقوش أيضًا على وجود حرفة صياغة وتشكيل التماثيل المعدنية، وبالأخص من النحاس، فضلًا عن تشكيل تماثيل صغيرة من الفخار.

الحجر الرملي

ونُحتت مجموعة التماثيل من الحجر الرملي الذي يميل إلى اللون الأحمر، وهو حجر محلي حصل عليه النحّات من جبل دادان المطل على الموقع من جهة الشرق، ما يدل على أن هذه المنحوتات صنعت محليًا في دادان، ولعل ما يؤكد ذلك هو أن النقوش اللحيانية نفسها ذكرت صراحة أسماء بعض النحّاتين وصنّاع التماثيل، وجاءت أسماؤهم لحيانية.

وتخيّر الفنان أجود أنواع الحجر الرملي الأحمر ذي اللون الفاتح، حرصًا منه على عدم تعرّض التمثال للكسر أثناء نحته، وأملًا في أن يضمن له البقاء والخلود في مكان إقامته من ناحية، وحتى يكون أقرب في درجته اللونية مع لون أصحاب هذه التماثيل من ناحية أخرى.