خالد السقا

هناك أشخاص في حياتنا يعظم أثرهم وتأثيرهم ما حيينا، فبصمتهم تظل كبوصلة ترشدنا وتلهمنا وتمنحنا الأمل لنواصل ونستمر ونعمل اقتداء بهم واستكمالا لمنهجهم، ومن بين أولئك الذين كان لهم أثرهم على الكثيرين الراحل محمد أحمد العبدالواحد، الذي انتقل إلى جوار ربه راضيا مرضيا بإذنه تعالى، وترك خلفه سيرة شخصية عظيمة تبقيه بيننا ما بقينا.

رغم ارتباط مسيرة الشيخ محمد العبدالواحد بنشاط اقتصادي كان رائدا فيه استلم فيه الراية من الشيخ الراحل أحمد العبدالواحد، إلا أنه كان واسع المعرفة والاطلاع، غزير المعلومات، ومرجعا في كثير من التفاصيل، وقد كان مثقفا من طراز أصيل، ويحب الأدب والشعر، ولذلك حافظ على مجلس العلم والمعرفة الذي كانت تؤمه نخبة من الأدباء وأهل الثقافة ويضيفون إلى مجتمع المنطقة من إنتاجهم الثقافي ورؤيتهم الفكرية والأدبية.

ارتبط الراحل منذ فترة مبكرة من حياته بوالده الراحل الذي كان من أوائل التجار بمدينة الدمام، وكان أحد التجار الذين أسسوا المحلات التجارية فيها، حيث كانت تقتصر المحلات على بيع المواد الغذائية أو ما يعرف وقتها بالأرزاق، أو محلات بيع الملابس.. وقد بدأ أحمد بن عبدالواحد العبدالواحد وشقيقه عبدالله تجارتهما ببيع الأرزاق في سوق الدمام القديم المعروف حالياً بسوق الحُب، وذلك قبل انتقال الأبناء إلى صنعة أخرى هي بيع الأثاث، بعدما سلم الأب مهام التجارة لأبنائه.

وجاء التحول إلى تجارة الأثاث في الخمسينات الميلادية بإنشاء المقر الحالي لشركة العبدالواحد بشارع الظهران بالدمام، بالقرب من إمارة المنطقة الشرقية، وكان المحل عبارة عن معرض صغير ومنجرة متواضعة لتصنيع الأثاث، وفيها تطور العمل وكبر، وتوسع إلى الاستيراد من سوريا ثم الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ثم البدء في التصنيع الوطني ومعه تم إنشاء مصنع للأثاث على أعلى التصاميم والمستويات العالمية، وأصبح «العبدالواحد» أحد أبرز العلامات التجارية في هذا المجال، وتميزوا بأنهم الوحيدون الذين يبيعون منتجا وطنيا بعد إيقاف استيراد المفروشات والأثاث بكافة أنواعها وإنشاء مصنع متكامل للأثاث في منطقة الخالدية بالدمام.

تلك المسيرة المتفردة والرائدة تكشف عن طموح من صميم إرادة وعزيمة أولئك الرجال وتحقيقهم لرؤيتهم وأهدافهم، فقد بذلوا الكثير من الجهد والعرق حتى حققوا ما عملوا لأجله، وها هم يرحلون ولكن تبقى أعمالهم التجارية والإنسانية شاهدة على إثرائهم لحياتنا وعكس كل القيم النبيلة والجميلة التي تنير لنا الطريق وتمنحنا ذلك الشعور الدافئ بأن الحياة كبيرة وتتسع لطموحاتنا وتحقيق أهدافنا حين نعمل بكل إرادة وتصميم وعزيمة، فالله نسأله أن يكرم نزلهم وأن يتغمدهم بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح جناته.