غنية الغافري

رغّب الإسلام بتكثير النسل وهو من مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية وفي تكثير النسل تكثير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ومباهاة، وفي المجتمعات الزراعية تتسابق الأسر في الامتداد والتفرع لا سيما وأن الأبناء هم اليد العاملة المجانية لهم في أعمالهم وهم اليد التي تعمل بجد دون تذمر أو استنزاف مالي، فالمقابل حياة هادئة في أسرة تشعر بالانتماء فلا وقت لديهم إلا للعمل كما أن الوالدين في تلك المجتمعات يحظون بقدر من التقدير والطاعة، ورغم تعاقب الأجيال واختلاف الخصائص بينهم إلا أن الرغبة بالتفاخر ما زالت باقية في أذهان الآباء الذين يركزون معيار التكثير في العدد دون المضمون بل ويتبعون أساليب تربوية ترسبت في أذهانهم تصلح لتربية جيل الثمانينيات ولا تصلح لجيل الـ 2000 بل هي أساليب تحتاج لإعادة تحديث إن لم تكن (فرمتة).

والحقيقة أن الأبناء نعمة من الله تعالى تستوجب التعامل الراقي والحذر! فهم كائنات حية لطيفة تجلب السعادة والأنس لمن استطاع َووُفِّق لاستشعارها.

إن بعض الآباء الذين يحظون ببر أبنائهم وطاعتهم في عصر افتراضي جاف أصبح البر فيه بضاعة الكاسدة ! حيث تعددت فيه مصادر التربية والقيم! وكطبيعة بشرية تميل للطمع والاستزادة فلسان حال هذه الفئة يقول: هل من مزيد؟! فهم لا يكتفون بنعمة الله تعالى في أن رزقهم أبناء بررة يوقفون محاب أنفسهم من أجل والديهم ويغيرون قراراتهم طمعا في رضاهم، بل إن هؤلاء الآباء يثقلون كاهل أبنائهم بالتذمر والتفنن في استجلاب البر! رغم أن أبناءهم لو سيقوا إلى الذبح لما تعدوا قول إسماعيل لأبيه «يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين».

ولو عدنا لطبيعة البر التي جبلت عليها هذه الفئة نجدها رزقا من الله تعالى قد لا يكون اجتهادا من والديهم، فالعديد من الأسر تبذل في سبيل صلاح أبنائها الغالي والنفيس لكن لا يوفقون في ذلك، فالتوفيق لصلاح الأبناء من النعم التي تُغبط عليها الأسر، والتاريخ حافل بقصص الصالحين الذين ابتلوا بعقوق أبنائهم.

وفي المقابل فإن الآباء المبتلين بأبناء ابتعدوا عن البر كبعد المشرق عن المغرب فإنه يرضيهم منهم أي موقف أو كلمة أو إلماحة تشعرهم بالحنان ورد الجميل الذي لم يعد جميلا لديهم، فهم يأخذون أكثر مما يعطون ويشعرون باستحقاق لكل نعمة من والديهم سواء جاءت من مكره أو منشط.

ويتفنن الآباء في التربية ما بين تربويين بامتياز يتخذون المناهج والطرق التربوية وسيلة للتقويم وما بين آباء تحجرت عقولهم حتى غدت بيوتهم سجونا ومعتقلات، ومن بين الأساليب اللاتربوية «التربية بالطرد»، إن المراهق الذي شذ عن الطريق القويم وتلقفته أياد آثمة جعلته يضل ويغوي ليس من الصحيح أن نهديه لهم لقمة سائغة في بيئة خصبة بالسوء تزيد رقعة الشق، فإن كان مدخنا فطرده سيجعله مدمنا وإن كان مدمنا فطرده سيجعله مروجا، وستبقى نكتة الطرد باقية سوداء في قلبه يستحضرها مع كل ألم يمر فيه ويعتصره ويقوده للعداء وربما مارس تلك الطقوس مع أبنائه مستقبلا.

إن الصحة والسلامة النفسية التي يكسبها التربويون لأبنائهم تبني ثقتهم وتشعرهم بالأمان والانتماء لأسرهم بينما التربية بالمن والأذى والطرد لا تخرج إلا عاهات على المجتمع، فإن كانت تلك الطرق نافعة في العصور السالفة فهي في جيل الـ 2000 وفي عصر الأصدقاء المأججين والشارع المتلقف لا تنفع البتة، نحن بحاجة لعناصر السلامة مجتمعة، البدنية والعقلية والاجتماعية والنفسية وإن كان الضغط على وتر الجانب النفسي يقضي على الجميع.

عزيزي المربي: إن كان آباؤنا استوعبوا حب وتربية أكثر من عشرة أبناء في بيت لا تتعدى مساحته بضعة أمتار فليستوعب عقلك وقلبك تربية واحد أو اثنين في منزل شاسع المساحة مثقل بالهدوء تزيده رهبتك ثقلا وجثامة.. وإن كنا نحتاج التربية بالحب في كل الأجيال فنحن في هذا الجيل أكثر حاجة فلا تكونوا آباء افتراضيين أو مغتصبين للسعادة أو طماعين!!

@Ganniaghafri