وائل العمري

لم تكن الإعاقة يومًا سورًا مرتفعًا يحاصر الأشخاص ذوي الإعاقة، فمن بلادنا التي أنجبت أفذاذًا تحدّوا إعاقتهم وعبّروا عن ذواتهم وقدراتهم يبرز الطفل عبدالرحمن حسن الحمدان، الذي حَصَدَ سِتَّ ميداليات دولية، وتُوِّج بطلًا للعالم في سباحة ذوي الإعاقة، ومثله الشاب محمد الشريف أول شخص من ذوي الإعاقة يمارس الطيران الشراعي في الشرق الأوسط، ومهنّد أبو دَيَّة، الذي لم يمنعه فقْدُ بصرِه من أن يكون أحد أشهر المخترعين السعوديين. والعالَم من حولنا يزخرُ بالنماذج الملهمة من ذوي الإعاقة كستيفن هوكينج أحد أشهر علماء الفيزياء في العالم، والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، الذي قضى حياتَه على كرسيّ متحرك ونجح باقتدار في قيادة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية، كل هذه نماذج تجعلني أقول بصوتٍ عالٍ إن حياة الشخص ذي الإعاقة لا تختلف كثيرًا عن حياة الآخرين. وليس في هذا تجاهلًا أو إنكارًا للإعاقة، ولكن الأهمّ هو كيفية ممارستنا لحياتنا، وكيفية تفاعل الآخرين معنا، لا يمكن للإعاقة أن تكون سببًا للشفقة والتعاطف، وليست كذلك سببًا لإهمال هذه الفئة وعدم الشعور بالارتياح تجاهها. فهي جزء طبيعي من التجربة الإنسانية.

كان التحاقي بأرامكو السعودية قبل ثمانية أعوام تحديًا مثيرًا للاهتمام، والأمر المدهش أن إعاقتي لم تكن هي سبب التحدّي. ومما أثار غبطتي أنني عملتُ مع زملاء قيّموني بناءً على مهاراتي وجودة عملي، وفُرضت عليّ تحدّيات كثيرة وتوافرت لي الكثير من الفُرص، ومُنحت الاستقلالية لأداء مهامي ومسؤولياتي، وهو الأمر الذي لا يزال يُسهم في زيادة قدراتي حتى هذا اليوم.

إنّ مما يُضيف إلى تطور مجتمعنا واقتصادنا هو فهم الأشخاص ذوي الإعاقة، وتبنّي مواقف إيجابية تجاههم، كما أن من العناصر المهمة في جعل أماكن العمل أكثر شمولية تقديم الدعم لهم، والثقة في قدراتهم ومساواتهم مع زملائهم من غير ذوي الإعاقة. ويمكن للأشخاص ذوي الإعاقة التميّز في أعمالهم كأيّ شخص آخر إذا توافرت السبل المناسبة، التي تيسّر لهم أداء تلك الأعمال، ويمكن مواصلة توظيفهم بأعدادٍ أكبر بناءً على القيمة، التي يُسهمون بها وهي بلا شك ليست بقليلة، كذلك يمكنهم تحمّل المزيد من المسؤوليات ومواجهة تحدّيات أكبر لأنهم يستطيعون الارتقاء في السلم الإداري في المنظمات.

لا ينقصُ الأشخاص ذوي الإعاقة الطموحُ ولا القدرة المهنية، فهم يميلون لأن يكونوا أكثر طموحًا وإصرارًا على الإنجاز، وأن يكونوا أعضاءَ فاعلين في مجتمعاتهم وأعمالهم. إن العائق الرئيس عن ذلك كله قد يتمثّل في مواقف الآخرين وانطباعاتهم وأفكارهم الخاطئة عن ذوي الإعاقة. فعلى سبيل المثال، يوجد هناك 1.3 مليار شخص ذوي إعاقة في العالم، أي 15% من البشر، منهم 1% فقط من الأشخاص ذوي الإعاقة يستخدمون الكراسي المتحركة.

إن الدور الذي يقوم به برنامج دمج الأشخاص ذوي الإعاقة يضع أرامكو السعودية في مكانة تجعلها شركة جاذبة للكفاءات من جميع الفئات، من خلال ممارسة دورها الكبير كمؤثر عالمي في جهود الدمج. ونحن في أرامكو السعودية لدينا التصميم والقدرة على تقديم الأفضل لهم دائمًا. ومن خبرة الشركة في البرنامج عبر تصميم وتقديم ورش العمل والندوات عبر الإنترنت حول دمج الأشخاص ذوي الإعاقة، هناك أمثلة رائعة لموظفين من مختلف إدارات الشركة باتوا جزءًا من نجاحنا؛ لأنهم يؤمنون بالإيجابية والفائدة اللتين تنبعان من بيئة العمل المتكاملة، في اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يصادف الثالث من شهر ديسمبر كل عام، لنتذكر أن الوقوف مع الأشخاص، الذين يحتاجون الدعم، ومساندتهم ليؤدوا أعمالهم بأقصى قدراتهم هما من القيم الراسخة في تراثنا العربي والإسلامي، وفيهما خدمةً للمجتمع كلِّه. وهذا هو المعنى الحقيقي للدمج، كما أنه الفعل الصائب، الذي يجب أن نحرص عليه طوال الوقت.