أكتب هذه السطور وبجانبي جوالي (الآيفون) ومئات الملايين من البشر هم أيضا كحالي وربما أكثر، حيث بعضهم ينام ومازالت يده ممسكة باسترخاء بهاتفه، الذي بات لا يمكن لأحد منا الاستغناء عنه، بل إنه دخل إلى غرفة العمليات، فلقد شاهدت قبل سنوات كيف خدم هاتف الجوال أحد الجراحين في الشقيقة مصر لاستكمال إجراء عملية جراحية على ضوء الهاتف بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى مما دفع بالفريق الطبي إلى إجراء عملية استئصال مرارة لسيدة مسنة على ضوء «هاتف جوال» بعد انقطاع التيار الكهربائي عن المستشفى وغرفة العمليات بها لمدة ساعتين تقريباً، وذلك بعد مرور عشر دقائق فقط من فتح بطن المريضة «الستينية»، وفشل كل الجهود في تشغيل مولد الكهرباء لعدم وجود وقود الديزل. وكم ساهم الجوال في إنقاذ الآلاف من البشر عندما تعرضوا إلى مواقف لا يحسدون عليها بسبب الحروب والكوارث أو حتى في أزمة وباء «كورونا المستجد» عندما باتت جوالاتهم هي الوسيلة المثالية للاتصال بأسرهم وأقاربهم بعدما تم منعهم من الخروج من مساكنهم بسبب الإجراءات الاحترازية، خاصة عندما تكون الحاجة ملحة لإجراء اتصال مهم.. ومع مرور الأيام والأسابيع والشهور ومنذ إطلاق أول جهاز آيفون (iPhone) لأول مرّة في أمريكا عام 2007م بواسطة شركة أبل بعد عامين من العمل عليه، وتلاه إطلاقه بأوروبا في نفس العام، ثمّ إطلاقه في آسيا بالعام 2008م، وهو جهاز مُتعدد الأغراض يجمع بين الهاتف المحمول، والكاميرا الرقميّة، ومُشغل الموسيقى، وتقنيّات الحوسبة الشخصيّة، وكان أكثر ما ميزه حينها شاشة اللمس.. ومن يومها ومع انتشاره كانتشار النار في الهشيم، وهذا الهاتف الآيفوني ومَنْ على شاكلته من أجهزة أخرى، وهو يدفعنا يوما بعد يوم إلى التمسك به والإفراط في محبته، وبالتالي أصبح لنا الصديق الصدوق، الذي أخذ منا الكثير من المال لسداد فواتيره، بل والأهم أخذ أوقاتنا، التي أبعدتنا عن بعضنا البعض رغم وجودنا بجانب بعض، فكل منا سارح في تصفح ما يصله بصورة سريعة من رسائل وفيديوهات وصور. وما يشتمل عليه من أخبار «طازة» أو ابتسامات مفبركة أو حكايات قصيرة بعضها مثير للضحك وحتى السخرية. وهكذا بتنا جميعا مدمنين لهذا الجوال، الذي دفع بالبشر وكل البشر إلى التواصل مع العالم من خلاله، بل إنه دفعنا إلى أن نقضي معه طوال أوقاتنا بغرض العمل أو الترفيه أو التواصل الاجتماعي أو غير ذلك من الاهتمامات الحياتية الأخرى. ومع الأيام أصبحنا في حالة إدمان مستمر وبات هذا الأمر خارج نطاق سيطرتنا، بل وساهم في هدر أموال الناس في كل مكان، وبات إنتاج البعض ليس كما كان في السابق، فالعامل في مزرعة ما تجده يمتلك هاتفين. هاتف ذكي يتواصل من خلاله مع أسرته في بلده وهو يشاهد مباشرة ماذا يجري ببيته في «كيرالا»، أو موظف داخل دائرة ما تجده يتابع ماذا تفعل عاملته المنزلية داخل بيته. وتلك الموظفة التي تشرح كيف تعد غداء اليوم وما هي المكونات المطلوبة.. وها هو يدخل في الحياة التعليمية وينقل عبر شاشته الصغيرة والمضيئة الدروس لمئات الآلاف من الطلاب والطالبات من خلال (التعليم الافتراضي) ليساهم في العملية التعليمية عن بُعد. وليصبح للجميع جهاز ليس منه بد..؟!
almaglouth@yahoo.com
almaglouth@yahoo.com