عائض محمد المرزوقي

خليك أسد لا يستفزك ذباب يحوم من حولك ما أن يقع حتى يطير، فواثق الخطوة يمشي ملكا.. يا عزيزي بلا شك تضج حياتنا اليومية بالكثير من الشخصيات المستفزة سلبا التي تعكر صفو مزاجنا، وإن الفرار من هؤلاء يكاد يكون معدوما، فحتما ما أن تتسع دائرة النقاش مع هؤلاء حتى يحصل ما لا يحمد عقباه. وفي هذا الصدد فإننا نتساءل عن هذا النوع من الاستفزاز وآلية التعامل معه.

إن المنظم السعودي والقوانين المقارنة لم يقدموا تعريفا معينا للاستفزاز، إلا أن الفقهاء أوردوا له عدة تعريفات من بينها أنه: «كل موقف جارح يتخذه المستفز (المجني عليه) بقصد إثارة غضب المستفز (الجاني)». بمعنى أن الاستفزاز السلبي يحدث بقصد إثارة الغضب، بحيث ينم عن طباع سيئة وحقد دفين في النفس وضعف بشخصية المستفز، وهذا النوع من الاستفزاز لا يتطلب لوقوعه وسيلة ذات طبيعة معينة، وإنما يمكن أن يكون قولا: كرفع الصوت، أو فعلا: كالقبض بشدة عند المصافحة، أو بالامتناع قولا وفعلا: كالصد واللامبالاة، أو بالتباهي والتكبر، كما قد يحدث من المستفز دون قصد: كالتفوه بكلمات ربما تقول لصاحبها دعني، وهذا ما يطلق عليه في اللغة الدارجة بالبوه، كما قد يحدث الاستفزاز بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر مواقع التواصل بكافة أنواعه. هذا بخلاف الاستفزاز الإيجابي الذي يعبر عن إثارة مكامن النفس البشرية للعطاء والإبداع، كما هو في طليعة مقالتنا (خليك أسد لا يستفزك..).

مدى جرمية الاستفزاز؟ انطلاقا من قاعدة «لا عقوبة بلا جريمة ولا جريمة بلا نص»، وبعد البحث والتروي في التشريعات وآراء الفقهاء لم نجد نصا يفصح لنا بأن الاستفزاز في حد ذاته جريمة يعاقب عليها القانون، وذلك لعدم وجود الاعتداء على النفس وما دون النفس من السب أو القذف أو الاتهام، إنما هو إلا سبب من الأسباب أو الأعذار المؤدية لارتكاب الجريمة الموجبة للعقاب المقرر. كما يجب أن نشير في هذا السياق إلى أن الاستفزاز أمر مختلف تماما عن الإيذاء، وهذا يتضح لنا جليا من خلال نصوص نظام الحماية من الإيذاء الصادر بالمرسوم الملكي رقم: (م/52) وتاريخ: ١٥ /١١ /١٤٣٤هـ.

أعذار الاستفزاز؟ هي الأسباب التي يمكن أن يجدها قاضي الموضوع متزامنة مع الفعل الجرمي للجاني (المستفز)، والتي تعطي للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بالإعفاء أو التخفيف من العقوبة، متى ما ثبت بأي وسيلة من وسائل الإثبات أو القرائن المصاحبة أن إقدام الجاني على الجريمة سببه هو الاستفزاز. وعلى خلاف الأسباب القضائية والقانونية الأخرى، فإن أعذار الاستفزاز ليست من حق النظام أو الشرع، ولا من حق الجاني، إنما هي من حق قاضي الموضوع الذي يملك الحكم بالعفو أو التخفيف تبعا لسلطاته التقديرية الممنوحة، ما لم يحدد المنظم له سلفا آلية أو شروطا معينة على الجرائم في الإعفاء أو التخفيف من العقوبة.

ختاما، لم يسلم نبينا محمد ﷺ من الاستفزاز والأذى من الأعداء، يظهر لنا ذلك جليا في حديث روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أن رهطا من اليهود دخلوا على رسول الله ﷺ، فقالوا: السام عليك أبا القاسم، فقال النبي ﷺ: «عليكم»، فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة، فقال النبي ﷺ: «يا عائشة إن الله عز وجل يحب الرفق في الأمر كله»، قالت: قلت: أولم تسمع يا رسول الله ما قالوا؟ قالوا: السام عليكم، فقال: «قد قلت عليكم»)، حديث صحيح يبين حكمة وروية رسول الله ﷺ في التعامل بصبر على البلاء والرفق حتى مع الأعداء، فليكن لنا في رسول الله ﷺ القدوة وواجب الاتباع. هذا ولا تنسونا من تعليقاتكم على ما قدمناه دون استفزاز وفي حدود ما هو بناء.

@ay_ed_m