سكينة المشيخص

بدخول المغرب إلى نطاق التطبيع مع دولة إسرائيل، فذلك مؤشر إلى أن القناعة العربية بسلمية الحل والتسوية بالنسبة للقضية الفلسطينية أصبحت أكثر رسوخا وانحيازا إلى السلام كغاية ووسيلة لحسم الصراع وإنهائه، وإذا لم يكن بالإمكان على مدار أكثر من ستين عاما حسم القضية بالصراع والعداء فلماذا لا يكون السلام هو العامل الأفضل في التوصل إلى نتائج إيجابية ومرضية لجميع الأطراف.

لن يتوقف التطبيع عند المغرب وستليه دول أخرى مع الوقت، لأنه لا ثابت في الوجود إلا المتغيّر، والجميع بحاجة إلى التعايش وكل التعقيدات، التي نشأت خلال العقود الستة الماضية وما فيها من حروب وأعمال حربية لم تنجح في أن تخطو خطوة واحدة باتجاه الحل النهائي، بل ازدادت أزمات الأمة العربية ومعها القضية الفلسطينية.

السلام وليس غيره هو الذي يوفر فرصا لدولة فلسطينية في إطار حل الدولتين وإمكانية بقاء القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. والسلام وحده الذي يعزز فرص الحوار والتقارب وفهم كل طرف للآخر، وتوليد الاستعداد للتنازلات مهما كانت مريرة، ففي كامب ديفيد لم يكن الإسرائيليون على استعداد أبدا للتنازل عن سيناء، ولكن مع الحوار والتفاوض وإظهار الحقوق بوضوح على الطاولة تنازلوا لأنهم أدركوا أن حاجتهم للسلام أكبر من الاحتفاظ بهذه القطعة من الأرض وفي الأصل ليست لهم.

ذات الأمر يمكن أن يتكرر في كل أرض فلسطينية، وليس من الضروري النظر إلى التطبيعات العربية وكأنها تحولات سلبية في الرأي والموقف تجاه القضية الفلسطينية، هذه رؤية المتطرفين والكارهين للسلام، الذين لا يستطيعون التخلص من الشعور المزمن بالكراهية للآخر في وقت لا يسعهم فعل شيء غير الكلام غير المفيد، الذي لا يخدم القضية أو الشعب الفلسطيني.

مر الزمن الذي يتاجر فيه بعض الفلسطينيين وكل المتطرفين وكثير من الأدعياء بهذه القضية، التي لم تغادر مربع الأزمة في وقت يعاني فيه الفلسطينيون في الضفة وغزة ولا يمكن أن يعيشوا على الكلام والفتات الأممي، وهؤلاء الذين يرفضون كل شيء سواء لمجرد الرفض أو التجارة بالقضية انتهى وقتهم ولم يعد لهم موقع في المعادلة، التي تحدد مجريات سير القضية.

كل من وقّع على اتفاقيات التطبيع أقر وأكد أنه ينبغي حل القضية في إطار حل الدولتين وإعادة الحقوق الفلسطينية، وذلك يسحب البساط من أولئك المتاجرين والمزايدين، الذين ينتجون الصراع ويبقون بعيدا عن آلامه ومتاعبه، التي تطال فقط الفلسطينيين الأبرياء، وسيظلون على هذا الحال البائس في استدعاء كل عنتريات جوفاء لتغذية أوهامهم وبضاعتهم الكاسدة وفلسفتهم الخائبة، التي لن تعيد شبرا من أرض أو تمسح دمعة من فلسطيني في أرضه أو لجوئه.

تلك الاتفاقيات تمثل بارقة أمل لاختراق جمود الحالة المتعطل في الدول العربية من جهة ولإسرائيل من جهة أخرى، وكلما كان هناك تقارب أمكن من الوصول إلى تفاهمات منطقية بحقائق الواقع والجغرافيا والتاريخ، أما أن يظل كل طرف متمترسا في مواقفه ومتعنتا فذلك لن يأتي بحل، ولنا في نموذج الرئيس المصري الراحل أنور السادات مثال في المضي بفكرته السلمية إلى أبعد مدى حين فاوض وصبر وذهب إلى الكنيست الإسرائيلي واحتفظ بعلاقات جيدة مع إسرائيل، وكان بعدها لمصر دور حيوي وكبير في التخفيف من متاعب الفلسطينيين ووجودها كوسيط مقبول لحلحلة كثير من التعقيدات والتشابكات، التي ينتجها الصراع ولا يزال ذات الدور قائما، ولو أنها كانت على عداء مع إسرائيل منذ حرب 1973م لربما تم سحق القضية ولم يعد هناك ما يتم التفاوض عليه، لذلك لندع السلام يأتي بالحل فهو خيار المرحلة وليس الصراع.

@sukinameshekhis