د. جاسم المطوع

طرحت سؤالا تفاعليا مع المتابعين وهو (ما هي أكثر رائحة تشعرك بالسعادة؟) وقدمت للقارئ بعض الروائح مثل رائحة رذاذ البحر ورائحة موقد الخشب، ورائحة العطر والطيب، ورائحة القهوة، ورائحة العشب المقصوص حديثا، ورائحة تحميص الخبز، فكانت المشاركات كبيرة جدا من المتابعين، وبعض المشاركات كانت غريبة وبعضها فكاهي، ولكن هذا يدل على حب الإنسان للرائحة وأنها سبب في السعادة أو الكآبة، فالله تعالى أنعم علينا بحواس تجلب لنا السعادة لو أحسنا استخدامها وهي حاسة الشم والسمع والبصر واللمس والتذوق، وكل واحد منا عنده حاسة أقوى من الأخرى ليستمتع بها.

وسأعرض عليكم بعض الإجابات التي كتبها المشاركون وهي على النحو التالي: قال الأول رائحة القهوة وقال الثاني رائحة الطفل والثالث رائحة الحجر الأسود والرابع رائحة الطيارة (يبدو هذا مشتاق للسفر) والخامس رائحة التراب بعد سقوط المطر، والسادس رائحة أمي والسابع رائحة البحر والثامن امرأة قالت رائحة زوجها والتاسع رائحة السيارة الجديدة والعاشر رائحة القهوة والعربية، ومشاركات كثيرة مثل رائحة الفلوس الورقية الجديدة بالعيد، ورائحة الخشب المحروق، ورائحة الأشجار بالغابات، ورائحة العروس الجديدة، ورائحة الكيكة الخارجة من الفرن، ورائحة شعر أمي لما أقبل رأسها، ورائحة الموكيت والفرش الجديد، ورائحة بودرة الطفل، وإجابات كثيرة ربما بعضها غريب أو لم نفكر بها ولكن هذه كلها روائح تسعد الإنسان.

ومن المشاركات المؤثرة مشاركة شخص قال ادعوا الله لي أن يرد علي حاسة الشم، وبعض الأصدقاء الذين أصيبوا بمرض كورونا قالوا عرفنا نعمة الشم عندما فقدناها وقت المرض، فالشم نعمة منها نعرف الطعام الطيب من الفاسد، ومن الشم نعرف نميز بين العطور والروائح، وعندي صديق يملك محلات كثيرة لبيع العطور قال لي يوما إن أعلى راتب للموظفين عندي يأخذه شخص وظيفته الشم، ومسماه الوظيفي الشمام، فاستغربت وقتها من هذه المعلومة ثم بدأ يذكر لي أهمية هذا الموظف، وكيف أنه كان سببا في كسب الملايين لهذا التاجر بسبب الشم واختيار العطور التي يحبها الناس.

فالشم قد يكون مصدرا للسعادة أو مصدرا للشقاء والكراهية، وأذكر يوما دخل علي رجل يريد أن يطلق زوجته بسبب رائحة كريهة تخرج من فمها فنصحتها بمراجعة أطباء الأسنان وتبين أن عندها التهابا وتمت معالجة الرائحة فتراجع عن طلاقه، وامرأة أخرى اشتكت عندي من سوء رائحة زوجها فلما ذهبا للطبيب تبين له أن معدته تخرج أبخره وتمت معالجة المشكلة بين الطرفين، فالرائحة الكريهة قد تكون سببا يؤدي للطلاق، كما أن الرائحة الطيبة تكون سببا في التعلق والترابط، كما أنها تكون سببا في العلاج، والرائحة مثل قصة قميص يوسف عليه السلام عندما أوصله إخوانه لوالدهم يعقوب، فرد الله عليه بصره كما قال تعالى على لسان يوسف: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين).

فكل إنسان له رائحة خاصة به مثل خطوط البصمات التي تميز الشخص عن الآخر ولا توجد بصمتان متشابهتان، فكذلك الرائحة هي عبارة عن بصمة جسدية خاصة لكل إنسان، وأصلها من مادة اسمها (فرمون) في الإنسان والحيوان فتفرز رائحة خاصة به، ولهذا تستقر وتسعد الأم عندما تشم ريحة ولدها أو ريحة ملابسه، ويسعد الزوجان عندها يحضنان بعضهما البعض ويشتم كل واحد منهما ريحة الآخر، ونختم بما وصف به رائحة رسولنا الكريم فقد قال أنس -رضي الله عنه- الذي خدم النبي أكثر من عشر سنين (ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله).

@drjasem