د. محمد باجنيد يكتب:

الحب بمفهومه الواسع هو مصدر الإلهام والحِكمة.. وذهاب عقول العاشقين ليس إلا استثناء لا يُعتد به في التأكيد على ملازمة الحِكمة لأفئدة المحبين. فالقلوب التي تنبض بالحب قلوب ترتقي بالفكر إلى درجة الحِكمة.

ماذا يفعل الحب بالبشر.. وهل له بُرءٌ؟.. لنقف على تجربة أم الضحاك المحاربية في ساحات الحب والهيام.. فقد كانت هذه الشاعرة الجاهلية من شاعرات الغزل، تحب زوجها الضباب، وأسرفت في حبها له وتعلّقها به، خاصة بعد أن طلّقها، فراحت تناجيه في كثير من شعرها، قالت لتخرج لنا شيئًا من الحِكمة التي يزخر بها هذا الشعور الذي هام وأسرف في وصفه الشعراء:

سَألتُ المحبّين الّذين تحمّلوا

تَباريحَ هَذا الحبّ في سالف الدهرِ

فَقُلتُ لَهم ما يُذهب الحبّ بعدما

تَبوّأ ما بينَ الجَوانحِ والصدرِ

فَقالوا شفاء الحبّ حبٌّ يُزيلهُ

مِن آخر أو نأيٌ طويلٌ على هجرِ

أَو اليأس حتّى تذهل النفسُ بَعدما

رَجت طَمعًا واليأس عونٌ على الصبرِ

لقد تشكّلت حِكمتها من تجربتها الخاصة في معالجة نفسها ممّا ألمّ بها.. وقد تبدو هذه المعالجة سائغة للبعض حسب ظروفهم ونفسياتهم، وأحداث حياتهم، ولكن لا يمكن تعميمها.. وقد وجدتُ نفسي معارضًا لها، رغم ما في قولها من بُعد نظر.

قلت معارضًا:

وما كل حب يرتجى الصبر برءَه

ولا قد يزيل الحب نأي على هجر

ولا كل مَن قاسى تباريح حبه

وحلّت به بين الجوانح والصدر

يطيب سريعًا إن أحكم اليأس قيده

فليس في اليأس سلوان على المر

أسير الهوى يحيى طليقًا بحبه

ولو لم يلاقِ خلّه مدى العمر

تعالوا نذهب بعيدًا..

بل قريبًا من حاجتنا..

إن المحبة شعور يشكّله العطاء..

فامنح ولا تنتظر..

فالنعيم هناك..

لا شيء يستحق أن نغضب من أجله..

فكل ما حولنا يستحق الفرح..

تمامًا مثل فرحتي الصيام..

واحدة في الدنيا..

والأخرى في الآخرة..

انعموا بأيامكم..

ولا تضيّعوها في الحزن..

فالمسافر مشتاق للوصول..

فكيف يكون الشوق..

لبقاع ليست كالبقاع..

فيها ما لا عين رأت..

ولا أذن سمعت..

ولا خطر على قلب بشر..

الحب هناك!

@bajunaidm