علي سعيد القحطاني

في المقال السابق تناولت كيف أن التعليم يظل هو المحرك الأساسي لنهضة الأمم، وهو الركيزة الأساسية لأي تطور، والعنصر الرئيسي في بناء المجتمع ثقافيا وعلميا، وذلك تحت عنوان «التجربة السنغافورية في تطوير التعليم»، ومواصلة في ذات الاتجاه أتناول اليوم التجربة الفنلندية والتي تشكل نموذجا مهما.

كانت فنلندا قديما في أسفل قائمة التعليم في العالم، ومدارسها قديمة تفتقد للكثير من مقومات البيئة التعليمية الجيدة، ولكنهم طبقوا أفكارا جديدة، واستطاعوا أن يقفزوا لقمة القائمة لتصبح المدارس الفنلندية رقم واحد على مستوى العالم في العام 2015 وفقا لتقرير التنافسية العالمية.

السؤال الكبير هو.. كيف حدث ذلك؟ أحدثت فنلندا تلك الدولة الصغيرة تعديلا شاملا في نظام التعليم بكل أركانه وعملت على أسس متينة أبرزها جعل المدرسة مكانا جاذبا يقضي فيه الأطفال أجمل اللحظات، فالطلاب ليس لديهم واجبات منزلية، حيث يرى المسؤولون أن من حق الطلاب الاستمتاع بالحياة في وقتهم خارج المدرسة، فالواجب المنزلي يتم إنجازه ما بين 10 دقائق إلى 20 دقيقة إن وجد، ولكن في الغالب لا يوجد حيث يرى كثير من المسؤولين أن الواجب المنزلي مصطلح عفى عليه الدهر.

كما أن معدل الساعات التي يدرسها الأطفال في فنلندا مجتمعة هي 20 ساعة فقط، أي أن اليوم الدراسي يكون أحيانا 3 ساعات وأحيانا 4 ساعات شاملة فترات الاستراحة، كما أن عدد الطلاب في الفصل لا يتجاوز العشرين طالبا بأي حال من الأحوال، ويعتبر العام الدراسي الفلندي هو الأقصر على مستوى العالم الغربي.

ولعل من الأمور التي ساهمت في نهضة التعليم هو المستوى الموحد الذي تتمتع به كل المدارس في البلاد، فالقاعدة لديهم أن مدرسة الحي هي الأفضل حتى لو كانت في الريف لأنها لا تختلف عن الموجودة في العاصمة.

يمكن القول أن فنلندا استثمرت في التعليم للجميع وحصدت ثمار استثمارها بشكل مميز، فاحترام التعليم لديهم جزء من الهوية، أما عملية اختيار المعلمين فتلك قصة أخرى، فليس كل خريج يمكن أن يصبح معلما، فالاختيار يتم بعناية دقيقة، فالمعلم لا بد أن يكون حاصلا على درجة الماجستير، ويتم قبول 11% فقط من المتقدمين لشغل وظيفة معلم، مما يؤكد أن الشغوفين والمتحمسين فقط هم من يجدون الفرصة التي يستحقونها، فالمعلم له وضعه الاجتماعي.

في فنلندا لا يتم الفصل بين الطلاب على أساس مستواهم التعليمي، مما ساهم في تصعيد مستوى المتأخرين دراسيا حتى وصلوا للمستوى المتوسط فباتت فنلندا تملك أصغر فجوة بين الطلاب الأقوى والأضعف في العالم وفقا لدراسة أجرتها مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية.

هنالك أيضا عامل مهم وهو الارتباط بين المعلم والطالب، حيث يمكث المعلم مع طلابه فترة طويلة تصل على خمس سنوات مما يوطد العلاقة بين الطرفين.

بقي أن نعرف أن فنلندا تفوقت على الولايات المتحدة الأمريكية في نسبة المتخرجين في المدارس العليا حيث بلغت نسبتها 93%، مقابل 75.5% لأمريكا، علما أن فنلندا تنفق أقل على الطلاب المقبلين على الجامعة بنسبة 30% مما تنفقه أمريكا.

@Ali21216