سكينة المشيخص

ليس هناك حالة أسوأ في الظروف الصحية الحالية من الشعب الإيراني الذي يكتوي بنظام غارق في مشاكسات ومشاغبات سياسية وعسكرية وأمنية داخليا وإقليميا ودوليا، في وقت تتزايد فيه حالات الإصابة بفيروس كورونا، وهي حالة تعتبر في العرف الإنساني والاقتصادي والصحي بمثابة أمن قومي، ولكن يبدو أن هناك التباسا مريعا في الأولويات وترتيبها.

حتى اليوم سجلت إيران أكثر من مليون حالة، والضحايا حوالي 55 ألف شخص، وحتى مبادرات وبرامج التوعية الصحية ضعيفة ولا ترقى لحجم الخطر الذي يعاني منه العالم كله، فيما تتعامل معه السلطات الإيرانية باستهتار وتهاون، وهي جريمة إضافية يرتكبها النظام بحق شعبه، ولا أدل على ذلك من تلك المناشدات والاستغاثات التي أطلقها ناشطون إيرانيون عبر تويتر، بمنظمة الصحة العالمية من أجل الحصول على لقاحات لفيروس كورونا معتمدة دوليا، والأسوأ ذكرهم لمخاوفهم من أن تفرض عليهم السلطات في بلدهم أخذ لقاح محلي الصنع، لا يزال في مرحلة التجارب.

هناك أصوات إيرانية رافضة لسلوك السلطة الصحي الذي لا يتناسب مع المستويات الصحية والعلمية للخطر، وذلك وضع ينبغي أن تبادر فيه المنظمات الأممية وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية إلى تولي هذا الملف لأن النظام لا يعي وليست لديه الرغبة أو الإرادة للتعامل الصحيح مع الخطر الذي يحيق بشعبه المغلوب على أمره.

بالطبع يريد النظام هناك أن يلعب بهذه الورقة أيضا للحديث الخطابي المكرور عن المظالم والضغط الذي يتعرض له ليهرب إلى الأمام من المسؤولية ويحصد مكاسب تخصه دون الشعب، ولكن هذا لعب بالنار لأن الإيرانيين في خطر عظيم بسبب السياسات الخاطئة للنظام وقراءته غير الدقيقة للمتغيرات من حوله.

إذا كان النظام يتعرض لضغوط خارجية ويريد تصفية حسابات في المساحة الحقوقية والإنسانية فذلك لن يجدي لأن ملفه بالذات في هذه النقطة سيئ ومتسخ بكثير من القضايا التي يمكن إدراجها تحت بند جرائم ضد الإنسانية، ولن يكون اللعب بورقة كورونا إلا رأس جبل الجليد الذي ذهب بعشرات الآلاف من أرواح الإيرانيين الأبرياء الذين يعصف بهم النظام وسلطته الغاشمة، في وقت يعكر صفو الأمن الإقليمي ويتدخل بتطفل في كل ملف فيما يعبث مع القوى الدولية في الملف النووي، وهو أمر لن يطول الزمن قبل أن يخرقه بتصرفاته الخرقاء ويحصد أسوأ ما يمكن أن يحصده نظام شمولي ومستبد.

قضية فيروس كورونا واللقاح والتوعية الصحية ليست قابلة للمساومة وابتزاز الإيرانيين بها فالنظام الصحي لهذه الدولة منهار وغير قادر على الاستجابة لتحدي الجائحة لأن التعامل منذ البداية لم يكن صحيحا، كما لم يكن للنظام أي رؤية علمية للتعامل مع تطورات الموقف، أي يفتقد الأفق الذي يجعله يخرج بأقل الأضرار، ولما لم يحدث ذلك فلا يمكن الترويج لفكرة نظرية المؤامرة لأنها مكشوفة، وكان واضحا منذ البداية الاستهتار بالفيروس وعدم التهيئة الصحية، بل ترك الشعب يعاني ويقاسي ويلات المرض والموت لأن النظام مشغول بمعاركه الانصرافية التي لا تنتهي ولن تقوده إلا إلى مزيد من التأزيم وقبض الريح.

وكما قال الناشطون إنهم ليسوا أرقاما وإنما بشر يستحقون رعاية صحية وتوعوية متكاملة، وإحساسا بالمسؤولية تجاههم، ويمكن لهذه الدولة ألا تذهب بعيدا وتستفيد من التجربة السعودية في الإدارة الكفؤة للأزمة والتعامل مع تطوراتها بأعلى درجات المهنية والالتزام الصحي والإنساني، وهي أحد أفضل التجارب العالمية في التعاطي مع الجائحة وبدلا من الاستعداء غير الضروري يمكن الاستعانة بالصحة السعودية لتقديم الإرشادات والمنهجية الصحيحة لتقليل الأضرار في دولة جارة يملك نظامها كل أشكال العداء للآخرين حتى تجاه شعبه.

@sukinameshekhis