للحركة ثلاثة قوانين، جاء بها الفيزيائي الإنجليزي الشهير إسحاق نيوتن. والذي يهمنا هنا هو القانون الثالث: «لكل فعل ردة فعل، مساوية له في القوة، ومعاكسة في الاتجاه». وسأحاول إسقاط هذا القانون على أرض سلوكيات البشر ضد بعضهم، عند حصول الإساءات أو الاعتداءات تحديدا، لعلي أنجح في رسم الصورة التي أريد.
عندما يصدر من إنسان فعل ضد إنسان آخر، فيشعر أو يحكم الصادر ضده أن هذا الفعل مسيء، أو فيه اعتداء عليه، فإن ردة فعله لا تخلو من أربعة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون ردة فعله أقوى من الفعل الذي أزعجه أو آذاه، وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ويرى البعض أن هذه الحالة حميدة، وتمثل الشجاعة وما شابه، لأن الحياة في نظرهم غابة.. ورأيي أن هذه الحالة غالبا -في عصرنا هذا- ليست إلا الحماقة التي أعيت من يداويها.
إلا إذا توافرت ثلاثة شروط من النادر توافرها: أولها أن يكون الفعل الصادر من المسيء كبيرا، أو تسبب بضرر عظيم. وثانيها أن يعتقد صاحب ردة الفعل أن ردة فعله -المبالغ فيها- ستحقق له منفعة ضخمة وفق مقاييسه. وثالثها أن يضمن صاحب ردة الفعل أنه لم يتجاوز النظام، وأن ردة فعله لن تنقلب عليه بأضرار وخسائر، كتأثر سمعته مثلا، أو السقوط في مخالفة قانونية تجعله يدفع الثمن بعقوبة قضائية لم تكن في حسبانه.. فالرأي يجب أن يكون قبل شجاعة الشجعان كما يقول أبو الطيب.
الحالة الثانية: أن تكون قوة ردة الفعل مساوية لقوة الفعل المسيء أو قريبة من المساواة، وهذا ما أراه من التوازن الذي يدل على رجاحة العقل، خاصة إذا جاءت بشكل قانوني، فلم يعد لقانون الغاب مكان، لأن غالب الدول اليوم تحكمها أنظمة صارمة، ويستطيع الإنسان أن يأخذ حقه بعيدا عن الطيش والحماقة.
الحالة الثالثة: عدم وجود ردة فعل، أو أن تكون ردة الفعل أضعف بكثير من الفعل المسيء، من باب قول المسيح عليه السلام مثلا: (إذا صفعك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر).
والحقيقة أني لست من أنصار هذا المسلك الراقي دائما، فالكثيرون لا ينفع معهم الصفح والتجاهل، ففي نفوسهم من الأحقاد والشرور وحب الظلم والتسلط، ما لا ينفع معه إلا الحزم.
إلا إذا كان ذلك من (العفو عند المقدرة)، بعد أن يظهر الإنسان لمن أساء له أنه قادر على ردعه، بشرط أن يكون المسيء من الذين ينفع معهم العفو، فهناك بشر أخيار يحصل منهم الخطأ والإساءة أحيانا دون قصد، أو نتيجة لسوء فهم، أو في لحظة غضب، أو نتيجة لضغوط، فهؤلاء ينفع معهم الغفران والتسامح.
الحالة الرابعة: وهي أرقى الحالات في نظر كثير من الحكماء والأنبياء، وهي الرد على الإساءة بالإحسان.. يقول النابلسي:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا ** يؤذى برجم فيعطي خير أثمار
ولكني لست مع هذه الحالة الجميلة دائما، لأن بعض الأشرار قد يفهمون منها ضعف الإنسان وقلة حيلته، فيزيدون من التسلط عليه.
والخلاصة عندي، هي أن من يريد الراحة والسلام الداخلي، يجب أن يكون على درجة عالية من المرونة والقابلية للتسامح، مع وضع حدود لذلك، فبعض البشر ينبغي ردعهم بالمقدار الذي يكفي لصرف شرورهم، دون مبالغة أو حماقة تجلب الندم والضرر، وتقدير ذلك نسبي يختلف باختلاف الأفهام... وما أجمل قول القائل: «لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر».
عندما يصدر من إنسان فعل ضد إنسان آخر، فيشعر أو يحكم الصادر ضده أن هذا الفعل مسيء، أو فيه اعتداء عليه، فإن ردة فعله لا تخلو من أربعة أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون ردة فعله أقوى من الفعل الذي أزعجه أو آذاه، وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا ** فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ويرى البعض أن هذه الحالة حميدة، وتمثل الشجاعة وما شابه، لأن الحياة في نظرهم غابة.. ورأيي أن هذه الحالة غالبا -في عصرنا هذا- ليست إلا الحماقة التي أعيت من يداويها.
إلا إذا توافرت ثلاثة شروط من النادر توافرها: أولها أن يكون الفعل الصادر من المسيء كبيرا، أو تسبب بضرر عظيم. وثانيها أن يعتقد صاحب ردة الفعل أن ردة فعله -المبالغ فيها- ستحقق له منفعة ضخمة وفق مقاييسه. وثالثها أن يضمن صاحب ردة الفعل أنه لم يتجاوز النظام، وأن ردة فعله لن تنقلب عليه بأضرار وخسائر، كتأثر سمعته مثلا، أو السقوط في مخالفة قانونية تجعله يدفع الثمن بعقوبة قضائية لم تكن في حسبانه.. فالرأي يجب أن يكون قبل شجاعة الشجعان كما يقول أبو الطيب.
الحالة الثانية: أن تكون قوة ردة الفعل مساوية لقوة الفعل المسيء أو قريبة من المساواة، وهذا ما أراه من التوازن الذي يدل على رجاحة العقل، خاصة إذا جاءت بشكل قانوني، فلم يعد لقانون الغاب مكان، لأن غالب الدول اليوم تحكمها أنظمة صارمة، ويستطيع الإنسان أن يأخذ حقه بعيدا عن الطيش والحماقة.
الحالة الثالثة: عدم وجود ردة فعل، أو أن تكون ردة الفعل أضعف بكثير من الفعل المسيء، من باب قول المسيح عليه السلام مثلا: (إذا صفعك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر).
والحقيقة أني لست من أنصار هذا المسلك الراقي دائما، فالكثيرون لا ينفع معهم الصفح والتجاهل، ففي نفوسهم من الأحقاد والشرور وحب الظلم والتسلط، ما لا ينفع معه إلا الحزم.
إلا إذا كان ذلك من (العفو عند المقدرة)، بعد أن يظهر الإنسان لمن أساء له أنه قادر على ردعه، بشرط أن يكون المسيء من الذين ينفع معهم العفو، فهناك بشر أخيار يحصل منهم الخطأ والإساءة أحيانا دون قصد، أو نتيجة لسوء فهم، أو في لحظة غضب، أو نتيجة لضغوط، فهؤلاء ينفع معهم الغفران والتسامح.
الحالة الرابعة: وهي أرقى الحالات في نظر كثير من الحكماء والأنبياء، وهي الرد على الإساءة بالإحسان.. يقول النابلسي:
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا ** يؤذى برجم فيعطي خير أثمار
ولكني لست مع هذه الحالة الجميلة دائما، لأن بعض الأشرار قد يفهمون منها ضعف الإنسان وقلة حيلته، فيزيدون من التسلط عليه.
والخلاصة عندي، هي أن من يريد الراحة والسلام الداخلي، يجب أن يكون على درجة عالية من المرونة والقابلية للتسامح، مع وضع حدود لذلك، فبعض البشر ينبغي ردعهم بالمقدار الذي يكفي لصرف شرورهم، دون مبالغة أو حماقة تجلب الندم والضرر، وتقدير ذلك نسبي يختلف باختلاف الأفهام... وما أجمل قول القائل: «لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر».