عبدالله الغنام

أطلق ‏صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- مشروع «ذا لاين» في نيوم. وهو مشروع مدينة حديثة تمتد على طول (170) كيلومترا على ساحل البحر الأحمر، شمال غرب المملكة العربية السعودية. وسيكون المشروع لبناء اقتصادي ضخم، واحتضانا للمعرفة والكفاءات والعقول العلمية والابتكارات، وكذلك المهارات العملية من أجل خدمة الإنسان لأنه هو المحور الرئيسي.

وهو من المشاريع العملاقة التي ستبدأ في الربع الأول من (2021)م، فهي جزء مهم من المشاريع الرائدة والحضارية في (نيوم). ومن مميزات هذا المشروع هو الحفاظ على البيئة، وفي نفس الوقت معزز باستخدام الذكاء الصناعي. ومن ناحية اقتصادية سيوفر (380) ألف وظيفة، ويضيف للناتج المحلي (180) مليار ريال سعودي بحلول (2030)م.

ومن ناحية بيئية، فهي ستكون مدينة مليونية، وستحافظ على (95%) من أراضي نيوم الطبيعية. والطاقة الدائمة هي طاقة نظيفة، والتي تحافظ على البيئة من الانبعاثات الغازية الضارة (صفر للانبعاثات الكربونية) للغلاف الجوي، وذلك للتقليل من الاحتباس الحراري (ارتفاع درجة حرارة الأرض).

ولو تتبعنا بناء المدن تاريخيا، لوجدنا أمثلة مختلفة منها: أن الإسكندرية بنيت في زمن الإسكندر الأكبر المقدوني. وفي عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- اختطت الكوفة. وفي أيام أبي جعفر المنصور بنيت بغداد. والقاهرة أسست في عصر المعز لدين الله لتنافس بغداد وقرطبة. وبنى عبدالرحمن الناصر مدينة (الزهراء) الرائعة. ولقد تعددت الأسباب في بناء المدن ما بين أسباب سياسية وعسكرية واقتصادية وحضارية. وفي زمننا هذا جاءت مدينة «ذا لاين» من أجل أن تكون من المدن الذكية حضاريا وتقنيا ورائدة للعالم، وكذلك صديقة للبيئة.

حين يكون بناء المدينة من أجل الجمع بين هدفين متوازنين أن تكون حديثة تقنيا ومحافظة على البيئة فهي تجمع خصلتين مذهلتين بخلاف كثير من المدن الكبرى حول العالم والتي تصارع من أجل أن تلحق بركب هاتين الميزتين (التقنية والبيئة). والحقيقة الثابتة أن الأرض تعاني من التلوث في الهواء والماء والغلاف الجوي، بسبب كميات مهولة من الانبعاثات الغازية الضارة تصل إلى (36000) كيلو طن سنويا! في 2016م (بحسب موقع البنك الدولي/ مختبرات أوك ريدج الوطنية، تينيسي، الولايات المتحدة) بالإضافة إلى المواد غير القابلة للتحلل أو لإعادة التدوير.

ومسألة الحفاظ على البيئة سواء في المدن أو المنشآت الصناعية أو المشاريع الكبرى صارت أمرا مؤرقا ومهما لكثير من الدول، وانعقدت الكثير من الاتفاقات الدولية من أجل ذلك لأن العالم صار يعي الأثر البالغ على الأرض والأجيال القادمة. وقد قالت هيئة الأمم عن هذه القضية: «لا يزال العالم يتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة بما يزيد على (3) درجات مئوية هذا القرن بما يتجاوز أهداف (اتفاق باريس). لكن يشير تقرير فجوة الانبعاثات الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى الأمل في التعافي الأخضر من الجائحة، والالتزامات المتزايدة للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية». وصفر الانبعاثات هو من أهداف مدينة ذا لاين.

ولأهمية البيئة والخطر المحدق بالأرض بسبب الاحتباس الحراري، وثقب الأوزون، والذوبان الجليدي، جاءت هذ المدينة لتغيير المفهوم في بناء المدن، وإعادة مفهوم التنمية الحضارية. والمملكة تعي هذه التغييرات التي تطرأ على الأرض فجعلت مدينة (ذا لاين) أنموذجا يحتذى به للمستقبل ليس فقط بتوفر الأساسيات والبنى التحتية، والاحتياجات المعيشية والاتصالات ووسائل النقل الحديثة والذكاء الصناعي، بل في التفكير في كيفية المحافظة على الطبيعة والتناغم معها، وأيضا الاهتمام بالأجيال القادمة بيئيا وصحيا، حيث الإنسان والبيئة منسجمان ومتصالحان.

ومن هنا جاء الإعلان عن هذه المدينة حتى تقدم السعودية نفسها للعالم كصاحبة السبق في مجال المدن الذكية والحضارية بيئيا وإنسانيا، وكأنموذج فعال للقرن الحادي والعشرين.

abdullaghannam@