فهد سعدون الخالدي

مع أن إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد عن بدء العمل في البنى التحتية لمدينة «ذا لاين» (الخط المستقيم) لم يكن مفاجئًا، خاصةً أنه يجيء ضمن مشروع منطقة «نيوم»، وهو المشروع الذي أصبح معروفًا عالميًا، ويعرف كذلك ارتباطه برؤية المملكة 2030، وهي رؤية تعدت شهرتها المنطقة لتعم أنحاء العالم؛ باعتباره مشروعًا عالميًا مختلفًا بكل أبعاده الإستراتيجية والحضارية والاقتصادية والبيئية، بل وحتى الديمغرافية والترويحية أيضًا.. لكن المفاجئ هو ملامح هذا المشروع، التي أوضحت بعضها كلمة سمو ولي العهد وهو يعلن عن هذا المشروع، التي دفعت بكثير من الوسائل الإعلامية لوصف مدينة «ذا لاين» بمدينة الخيال، خاصةً قول سموه إن المشروع يجيء تحت شعار: «مدينة مليونية في نيوم تحاكي الطبيعة دون ضجيج وكربون»، وقد أوضح البيان التعريفي للمشروع هذا الشعار بوصف المدينة «إنها ستوفر للإنسان متعة العيش بعيداً عن صخب المدن وضجيجها، بحيث ينعم بالحياة العصرية وصفاء الذهن وسط تنوع بيئي بديع وأجواء مناخية مستقرة معظم الوقت يحل فيها البحر الأحمر ضيفًا على الصحراء والجبل والوادي في الشمال الغربي من المملكة»، وسيحتفظ مشروع «ذا لاين» بنحو 95% من طبيعة «نيوم»، ويسخّر التقنيات الحديثة لخدمة ساكني المدينة لينعموا برغد العيش في مدينة المستقبل، وبأحد المشروعات التنموية الضخمة في «نيوم»، التي أكدت حجم الإمكانات والقدرات، التي تملكها المملكة ولم يُستغل منها سوى 10%.. لقد حاولت بصراحة أن استبدل هذه العبارات، التي وردت في البيان لوصف المشروع فلم أجد أبلغ منها، فهي بحق مزيج من الطموحات والآمال والتوقعات، التي تتعدى حتى الخيال نفسه، فمَنْ كان يتوقع أن هذه الطبيعة التي تجمع بين رمال الصحراء وقمم الجبال والهضاب وشواطئ البحر الخالية إلا من السكون ستتحول إلى مدن عامرة بالحياة، تدور فيها عجلة المصانع والإنتاج، وتدب فيها الحياة بعد آلاف السنين من العزلة، وأنها ستتحول إلى صلة وصل بين القارات بعد عزلة لا يعرف مداها عن العالم، بل إنها ستنتقل من هذا الواقع خلال سنوات قليلة مداها سنوات الرؤية إلى أنموذج عالمي استثنائي للمدن العصرية بطبيعتها الخلابة، وإمكاناتها المتقدمة لتكون بذلك دليلاً على نجاح رؤية المملكة 2030، التي تسعى من خلالها بلادنا إلى أن تكون أنموذجًا عالميًا رائداً في مختلف مجالات الحياة. ومَنْ ينظر إلى سمات هذا المشروع، الذي يبدو أنه خيالي ومميزاته يجد أنه مشروع واقعي جداً ليس في إمكانية تحقيقه خلال عشر سنوات وهي فترة قد لا تكون طويلة لإنجاز مثل هذا النوع من المشاريع، بل والأهم أنك تلاحظ أنه يتعامل بواقعية وبشكل إيجابي مع أهم المشكلات، التي تعاني منها التجمعات الحضرية في الوقت الحاضر، ومنها الكثافة السكانية، وازدحام الشوارع بالمركبات وعوادم السيارات، وهدر الوقت وضياعه في التنقل من مكان إلى مكان، والطرق وصيانتها، وانبعاثات الكربون وغير ذلك من المشاكل، التي وجد لها المشروع حلولاً إبداعية غير مسبوقة ستكون بعد تنفيذها ملهمًا لدول العالم الأخرى في حل هذه المشاكل. ومع ذلك فإنه يظل الكثير من ميزات هذا المشروع المهمة، التي قد يبدو لأول وهلة غلبة الطابع الاقتصادي والبيئي عليها إلا أنها أيضًا تلبي حاجة الإنسان، الذي تنهكه المهام والمشاغل والمسؤوليات إلى الراحة والهدوء تؤهلها لذلك العناية البارعة في اختيار الموقع، فهي مدينة متنوعة التضاريس تقدم حلولاً مبتكرة تستخدم فيها تقنية المعلومات والاتصالات لتحسين نوعية الحياة وكفاءة العمليات في تناغم مع الطبيعة، التي تميز المنطقة. ولو استعرضنا بعجالة أهم الحلول، التي يقدمها المشروع للمشاكل، التي تعاني منها المدن العصرية سوف ندرك أن الخيال، الذي تتسم به فكرة المشروع يبدأ في التحول في أذهاننا لحقائق يمكن أن نلمسها قريبًا وقريبًا جداً، ومن تلك المزايا حلول التنقل الذكية بدءاً من القيادة الذاتية حتى الطائرات الذاتية القيادة، والأساليب الحديثة للزراعة وإنتاج الغذاء، والرعاية الصحية، وشبكات الإنترنت المجانية، والتعليم الإلكتروني المستمر والخدمات الرقمية المتكاملة. يساعد على ذلك ما يتوافر في المنطقة من طاقة طبيعية من الشمس والرياح، التي تجعل منها أفضل الأماكن الصالحة لإنتاج الطاقة البديلة واستخدامها، وهو ما يوفر متطلبات تنفيذ برامج ومشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ونجاحها، كما يعتمد المشروع مفهوم القوى العاملة للاقتصاد الجديد، الذي يقوم على استقطاب الكفاءات والمهارات البشرية العالية للتفرغ للابتكار وإدارة القرارات وقيادة المنشآت، بينما يقوم الإنسان الآلي «الروبوت» بالمهام العادية والمتكررة مما يضاعف الناتج المحلي في المنطقة ليتجاوز معدل إنتاج الفرد حده الأقصى في العالم حاليًا.. وبعد هذا الكلام والشرح سيظل حديث السطور قاصراً عن رسم الصورة المتخيلة للمشروع بشكل كامل، لكن الأمل أن الواقع سيكون أجمل وأبهى -بإذن الله-.

Fahad_otaish@