د. محمد حامد الغامدي

الحديث مستمر عن موت شجر العرعر الجماعي في مناطق الشريط المطير، بالجنوب الغربي من المملكة حفظها الله. هذا الموت مؤشر يثير الفزع. هل التقاعس والإهمال جزء من مسببات موته؟ هل هو الجهل بأهميته؟ هل هو عدم الاكتراث بوظيفته البيئية؟ هل هو عدم المعرفة بأهمية هذا الشريط المطير، ودوره في إنقاذ المستقبل من العطش؟ تتعاظم أهميته ودوره مع تعاظم زيادة الطلب على المياه؟

لماذا تتجاهل الوزارة المعنية موت هذه الأشجار في ظل إعلانها خطط التشجير الواسعة؟ أليس هذا تناقضا يثير التساؤلات والعجب؟ ألا يثير هذا التجاهل الشفقة على حالة بؤس نعيشها ضد البيئة؟ أين المسؤول والمسئولية؟ لماذا طال غيابهما؟ لماذا لا نرى الاهتمام ونلمسه؟ هل أصبح الوضع بحاجة لتفعيل المسئولية ومعالجة المسئول والبيئة معا؟

متى تتم محاسبة من تقاعس، وقصر، وتجاهل موت غابات شجر العرعر المنتشرة على سفوح الجبال المطيرة؟ كانت تشكل حوالي (70) بالمائة من غطائها النباتي. موتها يستحيل تعويضه. وقد فنيت بكاملها في مناطق الشمال الغربي من المملكة.

إذا كان السكوت فضيلة، فإن السكوت على موت غابات شجر العرعر في الشريط المطير في مناطق الجنوب الغربي، يعد جريمة بيئية بكل المعايير. فأهمية شجر العرعر مؤشر على كارثة بيئية قادمة ومفجعة، تطال الإنسان ونشاطه.

وقد فرحنا بجعل البيئة في مصاف وأهمية الزراعة والمياه، بل جعلتها القيادة، نصرها الله، تتصدر اسم الوزارة: (وزارة البيئة والمياه والزراعة)، حيث أخذت الأولوية. فهل تحققت الطموحات والآمال؟ هل تنعم جميع المناطق باهتمام المسئول؟ العجز أمام موت شجر العرعر، لا يختلف، عن نتائج موت شجر العرعر نفسه.

ونسأل عن غياب المسئول في هذه المناطق؟ نسأل عن سبب صمته؟ نسأل عن عدم تحركه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه الأشجار؟ أين موقف إمارات المناطق المطيرة في مواجهة ظاهرة موت هذه الأشجار؟ لماذا لا تتحرك لإنقاذها؟ لماذا تحجم عن مطالبة الوزارة المسئولة بالتحرك السريع، لوضع إستراتيجية، وخطط، وبرامج لإنقاذ هذه الثروة البيئية المهمة؟

أين الجهات المسئولة في كل منطقة؟ أين موقف اللجان الاستشارية ومجالسها في كل منطقة أمام موت غابات شجر العرعر؟ إذا كانت البيئة لا تعنيهم، فهل الأهم لديهم تدميرها بأفكار التوسعات التنموية في هذا الشريط الذي يحمل شجر العرعر، بينما المناطق خارجه جرداء خالية من الأشجار، وهي البديل الأفضل لأي تنمية؟

عندما يجتمع الجهل بأهمية البيئة ودورها، مع الجهل بمؤشرات موت البيئة، فهذا يعني أن هناك عقلا يعيش اللحظة فقط. هذا يعني أن الكارثة مركبة، يتحملها الإنسان، وعندها يصبح هذا الإنسان عدو نفسه. وقد شاهدت هذه العداوة في أكثر من منطقة من مناطق الجنوب الغربي، خاصة منطقة الباحة.

زرت مؤخرا، كمثال، متنزه الملك خالد في (البشائر) بمنطقة عسير، ورأيته امتدادا لمشاهد موت شجر العرعر في منطقة الباحة. وأتساءل من المسئول عن هذا المتنزه الطبيعي؟ آلاف أشجار العرعر ميتة واقفة، وبشكل مخيف. أصبحت جذوعها خشبا خاليا من الحياة. كيف تحول هذا المتنزه إلى مقبرة لشجر العرعر؟ وقبله وقفت على موت أشجار العرعر في متنزه (القمع) الطبيعي بمنطقة الباحة؟ فهل تحول المتنزهان إلى مقبرتين يستحب زيارتهما للترحم على هذه الأشجار؟

هذان مثالان عن سوء إدارة البيئة ومتنزهاتها الطبيعية، وكلها متنزه، ونسأل الوزارة التي تشرف عليها وتديرها وترعاها وتهتم بها، عن سبب موت غطائها النباتي؟ هناك أيضا غابات من شجر العرعر غابت عن الوجود في مناطق أخرى مثل منطقة جيزان، ومناطق الشمال الغربي. إن غياب وزارة البيئة والمياه والزراعة له أكثر من قراءة، وله استنتاجات عدم البوح بها فضيلة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH