عبدالله الغنام

نسمع بين الفينة والأخرى على مواقع التواصل الاجتماعي أسئلة متباينة حول القراءة، فهذا قائل: أريد أن أهوى القراءة ولكني لا أستطيع؟ وآخر يقول: حاولت أن أكمل كتابا واحدا فلم أستطع؟ وأما الذي يدمي القلب، فذلك الذي يردد: أنني لا أحب القراءة؟! وهذه الجملة الأخيرة تحز في النفس كثيرا. صحيح أن الناس أطباع وأهواء ومشارب، ولكني حين أسمع كلمة (لا أحب القراءة) لا أكاد أصدق أن هناك شخصا فطنا وحصيفا ينطق بمثل هذه الجملة!

والواقع أنني أعتقد أن الذي يدّعي أنه لا يحب القراءة غير صادق في دعواه! حيث إن معدل ما يقضيه الشخص على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لا يقل عن ثلاث ساعات يوميا، وطوال هذا الوقت هو يقرأ إما رسائل نصية أو (سوالف) الواتس أب؟! أو مقتطفات أدبية أو دينية وغيرها من النصوص المكتوبة والمنقولة، أفليست هذه نوعا من أنواع القراءة؟ أما أنها حين وضعت بشكل مرتب ومحكم ومهني وبين دفتي كتاب صارت ثقيلة على النفس!

وأما الذي يثلج الصدر، فذاك الذي يريد ويحاول أن يهوى القراءة، ويخصص جزءا ولو يسيرا من وقته للكتاب. وهذه الفئة من الناس أعرف جيدا شعورهم، فقد كنت مثلهم يوما ثم أصبحت القراءة عادة لا تنفك عني. والسؤال المهم هو كيف تتعود على القراءة؟ وتنضم إلى قافلة القراء لينطبق عليك قول الجاحظ في وصفه للكتاب: أنه عقل غيرك تضيفه إلى عقلك.

أولا: لا تتخذ من القراءة الحرة على أنها واجب مدرسي أو فرض مهني، وأنك مرغم عليها (أي مكره أخاك لا بطل)، بل حاول نزع هذه الفكرة نهائيا من مخيلتك، خصوصا في البدايات، فأنت تقرأ من أجل المتعة أو المنفعة أو من أجل سؤال خطر في بالك وتبحث له عن إجابة.

ثانيا: ابدأ بالتاريخ أو القصة أو الرواية أو الأقصوصة. فالقصص دائما محببة للنفس وتؤنسها. ألا ترى أن القرآن العظيم فيه الكثير من القصص والعبر. والإنسان بطبعه يحب الاستماع إلى الحكايات منذ صغره.

ثالثا: لا تجعل وقتا مخصصا للقراءة في هذه المرحلة، فكل ما هو مطلوب منك أن تشتري كتابا أنت معجب به، ومن اختيارك. كتاب تشعر من عنوانه أو من الفهرس أو من المقدمة بأنك مرتاح للمؤلف وأسلوبه. وأذكر أنه في بداياتي كنت مولعا بالبحث عن الشخصيات في كتب التاريخ مثل كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير. ثم تصفحت كتبا تاريخية أخرى لأتعرف أكثر على شخصية الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز -رحمه الله-، ثم تدرجت في القراءة بين كتب الأدب والتنمية الذاتية، والسير والتراجم حتى أصبحت عادة، لتدور عجلة القراءة في مواضيع شتى.

رابعا: عاود زيارة المكتبات وتصفح الكتب كأنها نزهة في بستان! بالتنقل بين عناوين الكتب المتنوعة السياسية والثقافية والعلمية والأدبية. ولا يمنع أيضا التردد على مقاهي الكتب حتى تعيش تلك الأجواء وتشعر بالمتعة من أجل تعويد النفس وإشباعا للفضول. أضف إلى ذلك الاستماع إلى آراء القراء على مواقع الإنترنت ممن يحملون نفس الشغف والهمة.

خامسا: ابحث عن شخصية تعجبك من المتقدمين أو المتأخرين، وتأمل جانب القراءة في حياتهم، فسوف تجد لذلك أثرا في نفسك ولو بعد حين. ومن تجربتي الشخصية أجد أنني ذهلت من عزيمة وهمة أمثال: الجاحظ، ابن الجوزي، العقاد، الطنطاوي في مسألة النهم والتعلق بالقراءة والكتب، وستجد غيرهم كثيرا، فتاريخنا العربي والإسلامي مليء بأمثلة مشرقة في هذا المجال.

وختاما، تذكر أنه ليس مطلوبا منك أن تصبح دودة كتب!، ولكن اعط القراءة ولو جزءا قليلا من حياتك ووقتك، وأؤكد لك أن هذا القليل لن يخذلك أبدا!

توتير abdullaghannam@