يوسف الحربي يكتب:

«جدل».. قد يعطي هذا الاسم حكما مسبقا يوحي بالنقاشات الصاخبة، ولكنه ليس كذلك كما أنه ليس مجرد تسمية عابرة، ولا مجرد تهويل لشغف ثابت اسمه الكتاب، والمخطوط الورقة، والمعرفة عبر التاريخ والحضارة.

«جدل» التي نعني هي ثمرة الشغف الفكري، الذي أجاد الأستاذ علي الحرز تمريره عبر كل ركن وزاوية، وكل رفّ وصفحة خلّدت ذاتها بالحرف، وخلّدها هو بالتجميع والاهتمام والغوص والعمق.

«جدل» هي مكتبة ضخمة تشكلت بمجهوده الشخصي عبر سنوات تجاوزت الأربعين عاما، نجحت كل أيامها في زيادة الشغف على المعرفة؛ لتكوّن فلسفة حياة حكمة وتطلّعا واطّلاعا ومتحفا زاخرا بالعلوم والكتب والمخطوطات، والعملات القديمة والدراسات والمجلات، التي شكّلت أرشيفا ثقافيا معرفيا للمملكة.

إن مثل هذه المبادرات الفردية لا يمكن إلا أن تكون نموذجا حيّا واستشرافيا لذاكرة مستمرة في تثبيت تفاصيلها وثنياها، حتى تحمل ذلك الجدل على محمل الاستمرارية، التي لا تقف عند لحظة واحدة لولادة الفكرة من خلال التجميع، بل تتفرّع أبعد في خلق علاقة جدلية متينة بين الإنسان والأثر المعرفي والزاد العلمي والثقافة الإنسانية، التي تجعله شامخا ومعتزا حقيقيا بكل إرثه وأثره.

إن ما حوّل رؤى الأستاذ علي الحرز من الاقتناء الذاتي للكتب إلى هوس وشغف الاقتناء وصفه بمصطلح (ببلومانيا)، معتبرا الكتاب مثل الخبز يشكّل قوتا يوميا معرفيا يحتاجه العقل ليكون، وتحتاجه الحواس لتتعمق إنسانيا، فهو لا يرى في عمق شغفه المهووس إلا انتصارا لحقيقته الإنسانية، التي جعلته ابنا لأرضه وبيئته الأرض، التي نزل فيها الوحي الأول «اقرأ»، فقرأ ووثّق واستمر وانتصر للجدل الإيجابي، الذي تطلب معرفة يستمر بها ويتواصل من خلالها مع ثقافات العالم مبحرا ومتوسّعا في أفقه، الذي لم يعرف حدودا زمنية ولا مكانية.

تنقسم المكتبة، التي تجاوزت 30 ألف عنوان كتاب، إلى ثلاث قاعات، منها قاعة للمجلات والصحف السعودية وصلت إلى أكثر من 100 ألف جريدة ومجلة، أما قاعتا الكتب فتغطيان جميع المعارف مبوّبة ومقسّمة حسب كل مجال ومعرفة، حسب المؤلّف وحسب الدار، التي قامت بالإصدار والنشر.

لا يكتفي الحرز في مشروعه «جدل» بالتجميع والتوثيق والإضافة، بل هو صاحب مشروع وطني مكّنته السنوات من الانصهار مع شغفه، والتماهي مع بحثه رغم حياته، التي اتسمت بالشقاء والجد، كان الكتاب رفيقه في الحياة ليطوّعه بمعارفه الذهنية وحواسه، فهو يهتم بالذاكرة الوطنية للصحافة والثقافة والأعلام الأدباء الباحثين الصحفيين لأن كل قلم له بصمة وعي وإبداع شغف حرف ومعرفة، فهو مشكاة لنور ساطع ونموذج لجيله وملهم للأجيال له أن يفخر بالإرث الفكري، الذي صنعته أجيال عايشت تطوّر المملكة، وانتصرت لفكرها التنويري النير.

yousifalharbi@