علي سعيد القحطاني

الثورة الصناعية الرابعة هي التسمية التي أطلقها منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في دورته السادسة والأربعين بسويسرا عام 2016 على الحلقة الأخيرة من سلسلة الثورات الصناعية، وهي التي ستعيد تشكيل حياتنا اليومية وتؤدي إلى تغيير جذري.

فما تحمله الثورة الصناعية الرابعة من ابتكارات يصنف من ضمن الابتكارات المزعزعة والمسببة للإضراب وهو النوع الثالث من الابتكارات، فالأول الابتكار التدريجي وهو شيء تطويري مثل ما يحدث في السيارات والجوالات، والثاني الابتكار الأصولي وهو الذي ينتقل من مكان إلى آخر داخل نفس الإطار مثل النقل كان سابقا بالإبل والخيول والآن أصبح بالسيارات والطائرات، وكذلك التعليم انتقل من الفصول التقليدية إلى المنصات الإلكترونية، أما الابتكار المزعزع فهو الذي يلغي ما قبله مثل منصات التواصل الاجتماعي وما فعلته في الصحف الورقية.

أحدثت الثورات الثلاث السابقة تغييرات كبيرة في حياتنا، فالثورة الصناعية الأولى التي انطلقت في أواخر القرن الثامن عشر طورت الحياة الزراعية البدائية من الاعتماد على طاقة الحيوانات والجهد العضلي للبشر إلى حياة تعتمد على الآلة، وكان قوامها استخدام قوة البخار لأداء عمل ميكانيكي، أما الثورة الصناعية الثانية في أواخر القرن التاسع عشر والتي كان قوامها الكهرباء فقد فتحت الباب أمام كثير من الاكتشافات والاختراعات وأسهمت في تغييرات جذرية خاصة فيما يخص صناعة السيارات والطائرات.

في النصف الثاني من القرن العشرين جاءت الثورة الصناعية الثالثة والتي أحدثتها الرقمنة والمعالجات الدقيقة والإنترنت وبرمجة الآلات، ومن أبرز مميزاتها ظهور الكمبيوتر الذي أسس لنهج جديد في تخزين المعلومات ومعالجتها.

الثورة الصناعية الرابعة والتي بدأت الآن تنطلق من الإنجازات الكبيرة التي حققتها الثورة الصناعية الثالثة، خاصة شبكة الإنترنت وطاقة المعالجة الهائلة والقدرة على تخزين المعلومات والإمكانات المفتوحة للوصول إلى المعرفة، وتبدو التكهنات مفتوحة فيما يمكن أن تحدثه هذه الثورة والتي قد تكون الأخيرة في مسلسل البحث العلمي، حيث ستكون هنالك تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى جانب الروبوتات وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية القيادة والطابعة ثلاثية الأبعاد وغيرها.

مما لا شك فيه أن الثورة الصناعية الرابعة ستغير من حياتنا بشكل مذهل، وقد يكون هنالك العديد من الضحايا مثلما حدث في الثورات الصناعية الثلاث السابقة.

ومن أشكال التغير الذي ستقوم به الثورة الصناعية الرابعة، تدمير خطوات البحث العلمي التي نعرفها بشكلها الحالي جميعا كما أشار لها العديد من الدراسات والبحوث، من أمثلة ذلك طرق جمع البيانات، فسابقا يتم جمع البيانات عبر الاستبانات والمقابلات والملاحظة وغيرها من أدوات جمع البيانات، ولكن مع الثورة الصناعية الرابعة وبوجود إنترنت الأشياء والبيانات الضخمة القادمة منه، والذكاء الصناعي، فلا داعي لجمع البيانات لأن كل البيانات موجودة مسبقا ومخزنة ومنظمة ويتم استدعاؤها بكل سهولة.

وكذلك تعميم النتائج فعند قيامنا سابقا بأي دراسة فإننا نجريها على عينة ممثلة لمجتمع البحث وبعد الوصول لنتائج نقوم بتعميم النتائج على المجتمع ككل، وهذا كذلك سيختفي لأن البيانات في الثورة الصناعية القادمة ستكون متوافرة عن الجميع إذن لا حاجة للتعميم لأننا نستطيع تطبيق أي دراسة على مجتمع الدراسة ككل مهما كان عددهم.

كذلك باستخدام الذكاء الصناعي المعتمد على البيانات الضخمة القادمة من إنترنت الأشياء نستطيع إيجاد العلاقات بكل يسر وسهولة عبر الاستقراء التام.

إن المطلع على المقالات العلمية المكتوبة في الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة يصل إلى نتيجة أن النموذج الجديد في الثورة الصناعية الرابعة بثلاثيته المعروفة (الذكاء الصناعي وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة) لا يتواءم مع النظرية العلمية الكلاسيكية وهذا ما سيقودنا إلى خلق فلسفة جديدة تحل محل النظرية العلمية الكلاسيكية.

إن كل الدلائل تشير إلى أن الكثير من الأشياء التي نعرفها ستتغير في الثورة الصناعية الرابعة، ولذلك تسعى الكثير من الدول إلى مواكبة هذا التغير لتجد لها مكانا في قائمة الدول المتقدمة صناعيا وعلميا في السنوات القادمة، لذا يجب أن يواكب تعليمنا هذه الثورة لكي نكون في مصاف الدول المتقدمة خلال السنوات القادمة.

Ali21216@