د. فيصل أحمد الناصر

يمر على مسامعنا كثيرا هذه الأيام مصطلح «البلوك تشين» ولربما أصبح لدى الكثير منا معرفة جيدة بهذا النوع من قواعد البيانات الجديدة، التي بدأ ظهورها في 2008، والتي يمكن بكلمات أُخرى وصفها بأنها طريقة جديدة لتنظيم البيانات من خلال قواعد البيانات الموزعة، وتتميز بأنَّها تستطيع إدارة عدد غير نهائي من البيانات، ويمكن القول أيضا إنها تعتمد على الثقة الموزعة (Distributed Trust). كلّ معاملة تُسمى كتلة أو بلوكا، وكلّ بلوك منها تحتوي على بعض المعلومات، التي تشير إلى الكتلة السابقة مع الطابع الزمني. لذلك يصفونها بسلسلة الكتل المتتالية، ولا يمكن تعديلها من أيّ طرف، وتصبح أكثر أماناً كلما زادت أقدميتها. فعندما يتمّ دخول البيانات وتسجيلها لا نحتاج لتدخل طرف ثالث؛ أيّ أنَّها أسرع في معالجة البيانات وتخزينها. تتلخص قوة هذا النظام في مدى تشفيره ولا مركزيته مما يجعل العمليات آمنة في نظر الكثيرين وأكبر سرعة وفاعلية. يمكن لهذه التقنية أن تستخدم في الكثير من المجالات بدءًا من تحويل الأموال والأمثلة على هذا النوع كثيرة منها البيتكوين (Bitcoin) ومجالات أخرى مثل نقل البضائع والملكيات وسلاسل التوريد والتصنيف الائتماني وإصدار رخص القيادة وشهادات الزواج وإدارة الأملاك والأصول وغير ذلك.

الحديث متشعب ويطول في هذا المجال لكن دعونا نسلط الضوء على أحد الاستخدامات الممكنة لهذه التقنية من وجهة نظري في أنظمة إدارة الموارد البشرية في الشركات انطلاقا من المعاناة والجهد، الذي تبذله هذه الإدارات خلال عمليات التوظيف بسبب كثرة ملفات السير الذاتية الملفقة أو المليئة بالمعلومات غير الصحيحة، ويكمن التحدي الأكبر في صعوبة الرجوع إلى كل شركة عمل بها المرشح سابقا للتحقق مما تمت كتابته في تلك السيرة الذاتية أو المشاريع، التي عمل بها وصولا للشهادات الجامعية والدورات ومصداقيتها. بعض الدراسات أشارت إلى أن 75% من مديري الموارد البشرية قالوا إنهم وجدوا معلومة واحدة غير صحيحة على الأقل في ملفات السير الذاتية، التي قاموا بمراجعتها. لكن باستخدام تقنية «البلوك تشين» سيكون هناك عدة مصادر تعطي مصداقية ومرجعية لهذه الملفات والمعلومات مما يسهل عمل إدارة التوظيف في عملية التحقق من المعلومات المقدمة، وكذلك من الشخص نفسه ومعلوماته من عدة مصادر وآراء الموظفين ممن عملوا معه وأقرب مثال لذلك الملاحظات والتقييمات، التي يتركها مستخدمو منصات الخدمات عن فندق أو مكان ما بحيث يستطيع المستخدم تكوين انطباعه ورأيه الخاص عن هذا الفندق أو المكان بدون تدخل الفندق نفسه أو التأثر بكلامه أو مما يكتبه على موقعه. وكذلك يمكن لمسؤول التوظيف الاطلاع على الترقيات، التي حصل عليها والمشاريع، التي أنجزها والرواتب والمكافآت وغير ذلك من المعلومات، التي تخزن بفضل هذه التقنية. أيضا تمكن من الاستغناء عن الوسطاء في عمليات التوظيف مثل مكاتب التوظيف وتوفير المبالغ، التي تدفع لهم. أضف إلى ما سبق أنه يمكن استرجاع تاريخ الموظف من ناحية الانضباط الوظيفي وسجل الحضور والغياب في الوظائف، التي عمل بها سابقا وأسباب الغياب أيضا. العقود الذكية وعمل العقود مباشرة مع الموظف وتحويل راتبه له مباشرة من دون بنك وسيط أيضا من الأمور الممكنة. كل ما سبق له يساعد في تسريع عمليات التوظيف، تقليل الجهد وتخفيف المصاريف المصاحبة لذلك.

من وجهة نظري، لا أعتقد أنَّ هناك داعيا للقلق الشديد في الوقت الحالي لكن من المطلوب على كل الشركات والمؤسسات أن تأخذ الحيطة والحذر ومراقبة تطور تقنية «البلوك تشين» عن كثب؛ لأن دورها يتطور تدريجيًا مع الزمن، وتتسارع وتيرة التطبيقات المبنية عليها، ومن المرجح اعتماد تقنية «البلوك تشين» في العديد من الصناعات، وهناك بعض شركات التقنية والأعمال بدأت تستخدم تقنية «البلوك تشين» في تعاملاتها مما يعطينا مؤشرا على أن هذه التقنية آخذة في التطور والانتشار، وبالتالي يجب الأخذ بعين الاعتبار كيفية إدراج هذه التقنية ضمن الخطط الإستراتيجية في الشركات.