سالم اليامي

سألني قبل مدة أحد الأصدقاء في وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مباشر، بعد أن وضع سؤلا عاما للأصدقاء يدور حول قدرتنا كأشخاص على الصفح والعفو عمن أساء إلينا في يوم ما. سؤال الزميل كان حادا لدرجة أني تحفظت قبل أن أشارك الأصدقاء الحديث حوله، وجاء بشكل مباشر على النحو التالي «هل يمكن أن تسامح إنسانا تسبب في ظلمك وتعاستك» وكان السؤال لي بشكل مباشر، وبشكل خاص لأنه كما قال يود أن يعرف رأيي الشخصي، وأهم من ذلك أنه يتوقع أن أكتب مقالا أو قصة حول فحوى السؤال.

وبصراحة لم أفهم لماذا هذا التوقع منه، ومع ذلك حاولت أن أبين له أمرين، الأول أني كاتب مقال رأي مختص في شأن معين وربما من غير المقبول أن أخوض في قضايا عامة وجدلية، الأمر الآخر أن لي تحفظات جوهرية في مفردات السؤال، وبالتالي في مفهومه العام كما يطرحه، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الظلم، والتعاسة، في حياة الناس وأقدارهم.

الزميل أصر أن يعرف رأيي أيا كان، وأصبح الاتصال هاتفيا بيننا بعد أن كان كتابيا. ووجدت أني مضطر أن أبين له رأيي أيا كان الأمر، وأن أدون هذا الموضوع على شكل مقال نشرك فيه القراء، أو من أراد منهم أن يطلع على الموضوع.

وقلت للصديق بكل ثقة وكما أرى الأمور بقناعتي الشخصية المبنية على خبرتي الذاتية في الموضوع، أن مفهوم الظلم ونظرتنا له في الحياة نسبي بمعنى أن ما قد أعتبره أنا أو غيري ظلما قد لا يعتبره الآخرون كذلك، يمكن أن يكون خطأ، أو قصورا في التقدير، والتعامل، أو ضعفا في التعاطي مع بعض الأمور. ثم أن مصدر الظلم أحيانا قد يكون غير متوقع، فقد يأتي من المسئول في العمل والوظيفة، أو من أحد الأقارب أو من النفس ذاتها فقد يحدث أن يظلم المرء نفسه بفعله، أو قوله، أو اختياراته، وأظن أن مثل هذا المعنى ورد في إحدى الآيات الكريمة التي يفيد معناها العام بظلم المرء لنفسه.

في الجانب الآخر رأيت أن الرجل استخدم في سؤاله مصطلحات حادة جدا مثل لفظ التعاسة، أو التسبب في تعاسة الآخرين وهذا معنى في رأيي مبالغ فيه من زاويتين الأولى أن نظرة الناس نسبية ومتدرجة فيما يمكن أن يكون تعاسة في حياتهم وما قد يكون أدنى من ذلك مهما كانت تسميته، الزاوية الثانية تتعلق بقناعة لدي أنا على الأقل نمت عبر تربيتي، وفهمي للأمور وهي أن التعاسة، والسعادة بيد الرحمن سبحانه وتعالى، وأن البشر ومهما كانت أفعالهم سيئة تجاهي أو تجاه غيري فلن تصل قدرتهم كأشخاص إلى قذفي أنا أو غيري بالتعاسة، وكأني أقول أنه بالغ في وصف أفعال البعض تجاهنا، يبقى الجانب الآخر من جدلية السؤال وهو قدرتنا على العفو كبشر، عن أخطاء الآخرين، وأعتقد أني قد كتبت قبل مدة في هذا المكان مقالا بعنوان «سماح رباح» وهذه كلمة صغيرة وجميلة المعنى فيها شيء من البعد الثقافي والتربوي الذي يميز الشخصية النجرانية. حيث تقدم المقولة على بساطتها معادلة عظيمة تقول لنا كبشر إن من يسامح، ويعفو، ويصفح هو الفائز. وأعتقد أن مفهوم الفوز هنا عام بمعنى على مستويات القناعات والأخلاق، والسلوك. وكخلاصة لسؤال الصديق العزيز الذي شرحته في هذه المناسبة أرى باختصار أن أخطاء الآخرين يمكن تفهمها، وأقدار الرحمن الكبرى التي تؤثر في مصير الناس بيده وحده، وقدرتنا على السماح والتجاوز عن أخطاء مقصودة أو غير مقصودة ممكنة بل مطلوبة للفوز بأجر العفو في الآخرة، وراحة البال في الدنيا، وأعتقد أنه محظوظ في هذه الحياة من كان بين الناس «أبو مسامح» والله أعلم.

@salemalyami