د. جاسم المطوع

ما هو تفسيركم لآباء وأمهات لا يؤيدون ضرب الأبناء لكنهم يضربون أبناءهم؟ وما هو تفسيركم لآباء عندما نسألهم: هل تعتقدون أن الضرب مفيد فيقولون لا، ثم يضربون أبناءهم؟ فعلى الرغم من قناعاتهم بعدم فائدة الضرب إلا أنهم يضربون، ثم يحزنون ويندمون على ضربهم لأبنائهم، وبعدها يضربون ويضربون على الرغم من ندمهم على عنفهم، ماذا تقولون عن هؤلاء الآباء؟ وما هو حكمكم عليهم؟

واضح أن التناقض عندهم بين القناعة والتطبيق، وبين المبادئ والتنفيذ، وقد اكتشفت هذا التناقض بشخصية الآباء والأمهات عندما عملت استبيانا للمتابعين، وسألت الآباء والأمهات عن ضرب أبنائهم، فشارك أكثر من مائة ألف متابع، وكانت الأسئلة كالتالي:

السؤال الأول، وكان موجها للآباء والأمهات، هل تعرضت للضرب في طفولتك؟ فأجاب 70 بالمائة منهم (نعم) و30 بالمائة منهم (لا)، وهذا يدل على أن أكثر الآباء والأمهات، الذين يضربون أبناءهم اليوم كان آباؤهم يضربونهم وهم صغار، وكأن الضرب صار ميراثا تربويا لهؤلاء، أما السؤال الثاني، فواضح منه أن الوالدين ليس لديهما القدرة على ضبط انفعالهما وإدارة غضبهما، والسؤال هل ترى من الخطأ ضرب طفلك إذا أخطأ؟ فأجاب 79 بالمائة (نعم) و21 بالمائة (لا)، وإجابة الوالدين عن هذا السؤال تدل على أن المشكلة عند الوالدين وليس الأبناء، فخطأ الطفل أمر طبيعي لأنه صغير بالسن، وغير ناضج، ولكن خطأ الكبير باستخدام الضرب والعنف في تقويم السلوك أعظم من خطأ الصغير.

أما السؤال الثالث، فكانت إجابة الآباء مفاجأة لي، وكان السؤال: هل ضربت ابنك على وجهه؟ فأجاب 57 بالمائة (نعم) و43 بالمائة (لا)، وواضح من الإجابة عن هذا السؤال أن الآباء يحتاجون للتربية أكثر من الأبناء، وإلا ماذا يفيد ضرب الوالدين وجه الطفل؟ وما علاقة وجه الطفل بالخطأ، الذي يرتكبه الطفل؟ بالإضافة إلي الإثم، الذي يناله الوالدان لوجود نصوص صريحة بعدم ضرب الوجه للكبير والصغير، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته)، فتخيلوا معي أن النبي -عليه السلام- ينهى عن ضرب الوجه في القتال، فكيف في التربية؟ فضرب الوجه يؤثر على الدماغ، وعلى الجهاز العصبي، وقد يتسبب (بمتلازمة هز الطفل)، فيحدث عنده اضطرابات في النشاط الكهربائي بالمخ، واضطرابات بالرؤية والسمع، وقد يؤدي للوفاة ببعض الحالات، فقد عرضت عليّ قضية أم ضربت طفلها حتى مات.

أما السؤال الرابع، فقد كان مَنْ يضرب أكثر الأم أم الأب؟، وكانت الإجابة أن الأم تضرب أكثر من الأب بنسبة 75 بالمائة، والأب 25 بالمائة، أما أغرب إجابة فقد كانت على سؤال، هل تشعر بالندم بعد ضرب ابنك؟، فأجاب 57 بالمائة (لا) و43 بالمائة (نعم)، فاستغربت من النتيجة، التي تبين قسوة الآباء وعدم مبالاتهم بنفسية أبنائهم، فالضرب له سلبيات كثيرة، منها أنه يضعف شخصية الطفل، ويقلل أهمية قيمة بر الوالدين ويزعزع ثقة الطفل بنفسه، ويترك آثارا جسدية عليه، ويجعل الطفل عدوانيا معاديا لوالديه وللمجتمع، وفاقدا للسيطرة على انفعالاته مثل والديه، كما أن الضرب ليس بالضرورة أنه يعالج سلوكه الخاطئ، وقد طرحت سؤالا على الآباء وهو: هل لاحظت زيادة عدوانية ابنك بعد ضربه؟ فأجاب 61 بالمائة (نعم) و39 بالمائة (لا).

فخلاصة التصويت يفيد بأن الآباء يحتاجون لتربية أكثر من الأبناء، وأننا بحاجة لإرشاد وتوعية في كيفية ضبط الانفعالات والغضب، بالإضافة إلى التدريب على المهارات الصحيحة في تربية الأبناء، حتى نحسن التعامل مع هذه الأمانة، التي أودعها الله عندنا.

@drjasem