د. محمد حامد الغامدي

n استفاقت الجهات المسؤولة من غفوتها الطويلة، وتجاهلها المحير، فعملوا على تطبيق وتفعيل معظم ما ناديت به من أفكار علمية قبل ربع قرن. لماذا استغرقوا كل هذه السنين؟ جاءت الاستفاقة بعد التضحية بالمياه الجوفية الاستراتيجية المهمة للأجيال القادمة. من هذه الأفكار: ما ناديت به من ضرورة وضع استراتيجية للمياه، ورسم قانون ملزم للمياه. أيضا رسم استراتيجية زراعية تراعي ندرة المياه ومحدوديتها.

n ناديت أيضا بسرعة وقف زراعة الأعلاف والقمح والشعير عام 1994. وناديت بإنقاذ واحة الأحساء من مشروع الري والصرف الذي تحول خلال أكثر من ربع قرن إلى أداة لإهدار مياه الأحساء وضياعها، وساهم في تجفيف جميع عيونها الفوارة.

n هناك الكثير مما طرحت من أفكار مهمة واستراتيجية، تضمنتها كتبي العديدة عن المياه. كتب وثقت لجهد بذلته، وأفكار طرحتها في مجال المياه والبيئة. وأتساءل: هل ما تم تطبيقه وتبنية تحقق بالكفاءة المطلوبة؟

n وتحقق أخيرا ما ناديت به من جعل المياه الجوفية ملكا للدولة، بجانب فرض السيطرة على الآبار الارتوازية، مع تركيب عدادات المياه على هذه الآبار. بجانب دعوتي المتكررة للاهتمام بالبيئة وتشجيرها وحمايتها ورعايتها وتنميتها. وهناك عشرات المواضيع المهمة التي نوهت إليها قبل ثلاثة عقود.

n طرحت الكثير من الأفكار العلمية للحد من جور التصرفات المضرة، ومنها الزراعات العشوائية، كل ذلك لصالح المستقبل وأجياله. ولكن وجدت في حينه (أذن من طين وأخرى من عجين). وأحمد الله أن وثقت ذلك في كتبي عن المياه كما ذكرت أعلاه، فذلك مدعاة لفخري بجهدي واستثمار وقتي لصالح بلادي حفظها الله، وأجيالها القادمة جعلها الله قوية وعزيزة.

n ولكن لماذا استغرق الأمر من العقول المسؤولة، كل هذه السنين لاستيعاب ما كنت أنادي به؟ سؤال للعبرة والمراجعة. وقد شخصت المشاكل والتحديات في وقت مبكر، وأيضا حددت الاحتياجات. هل سيستمر هذا الوضع؟ إلى متى؟ هل سيصبح موضوع موت شجر العرعر في قائمة الانتظار ليأتي دوره بعد ربع قرن؟

n لقد دفعنا ثمن التأخير في كل مجال، خاصة في مجال استنزاف المياه الجوفية الاستراتيجية في مناطق الصخور الرسوبية. كأننا كنا نعمل على تعطيش أجيالنا القادمة. هل ندرك خطورة التجاهل في ظل استمرار المؤشرات التي توحي وتقول.

n إنني على الصعيد الشخصي، أقوم بواجباتي ودوري العلمي على أكمل وجه. وكنتيجة أترك للآخرين مواجهة ضميرهم أمام تأدية ما عليهم من واجبات ودور ومسؤوليات. هذا يعني، وأكرر، أنني من موقعي ومسئولياتي، أقوم بواجباتي تجاه وطني وأجياله على أكمل وأحسن وجه استطيع. ونتيجة لهذا لم أصل إلى مرحلة الإحباط خلال سنين هذه العقود الثلاثة التي مضت، دفاعا عن المياه والبيئة. أكرر، أتسلح ضد الإحباط بترك الآخرين أمام مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه الوطن وأجياله.

n في بعض الحالات، هل وصلنا مرحلة تجاوزت بعمق وضعها، مرحلة العلاجات الضرورية؟ نعم وصلنا خاصة مع موت شجر العرعر، بل تجاوزناها بمراحل. هل أصبح العلاج مستعصيا؟ هل ما زال العلاج بالكي متاحا؟ البيئة تخسر مع إطالة مدى عمر أي مشكلة تواجهها. الأجيال القادمة تخسر هذه البيئة في نهاية المطاف. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية، غير الظاهرة لنا مع اعتلال وضع البيئة.

n مع البيئة، وسنة بعد أخرى، تزداد مشاكلها سوءا وصعوبة. فنتائج مرضها واختلال توازنها لا تظهر فجأة، ولكنها تأخذ عقودا حتى تظهر للعيان. وعندها لا يمكن تفادي الخسائر. وتصبح الحلول عقيمة وغير مجدية.

n مع البيئة في مناطقنا المطيرة بالجنوب الغربي من المملكة حفظها الله، هل ما زالت هناك نافذة أمل؟ أجد صعوبة في طرح جواب أكيد. لا جواب واضح وصريح أحمله مع مشاهد انتشار موت شجر العرعر وتعاظمه. ويستمر المقال بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH