عبدالله إبراهيم العزمان

يحدث أن يزور أحد منا مجلسا من مجالسنا العامة، فيسمع نقدا لاذعا لجهة معينة، ويسمع في العمل تجريحا صريحا للرئيس المباشر، ويطالع كل يوم أخبارا غير سارة عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى المختلفة، ومعظم أو جل هذه الأخبار سلبية، ولا تحمل أفكارا إيجابية قادرة على رسم صورة مشرقة.

أيها الأخوة والأخوات ألا توافقوني الرأي أن عالمنا اليوم، عالم مليء بالسلبيات التي تحول بيننا وبين العيش براحة وسعادة. فقد كثرت المظاهر السلبية وكثر معها الأشخاص السلبيون، وهنا مكمن الخطر لأنه عندما تسود الثقافة السلبية في المجتمع؛ تتفشى بين أفراده ثقافة الإحباط ومن ثم لا يجد الأفراد فيه الدافع المحرك للعمل والبذل والاجتهاد.

لذا، وجب علينا أن نتحلى بالإيجابية ونمارسها، وأن نشجع وندعم الممارسات والظواهر الإيجابية في المجتمع؛ لتنمو وتسود بين أفراده.

وتعرف الإيجابية بأنها الرغبة الحقيقية في التقدم والتغيير والإصلاح للذات أولا ثم للمجتمع. ومن رحمة الله بنا أننا ننتمي لدين عظيم، فالإسلام دين التفاؤل والإيجابية، كما جاء في حديث أبي هريرة قال: كان النبي ﷺ: يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة.

كما أن الإيجابية تعتبر اختيارا شخصيا، فأنا وأنت وغيرنا من أفراد المجتمع، من يقرر أن يكون يومه يوما إيجابيا من عدمه. فاذا اخترنا أن نكون إيجابيين في أيامنا فسينعكس ذلك على شخصيتنا وبالتالي على حياتنا بشكل أكبر.

فالشخصية الإيجابية لها سمات جميلة منها: حسن الظن، فالإيجابي يحسن الظن بالجميع ويقدم ذلك في كل تعاملاته، وتجده يتمثل سلامة الصدر، فلا تجده يحسد أحدا أو يغش أحدا ما، ففي قصة الصحابي الذي قال فيه ﷺ يدخل عليكم رجل من أهل الجنة، ماذا قال عن نفسه.....

أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا ولا أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه،

وتجد أيضا أن الإيجابي دائم الإحسان، يتمثل قول الشاعر

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

ومن سمات الشخصية الإيجابية، حرصها على التطوير الذاتي، فغالبا ما تجد الإيجابي منشغلا بنفسه، يهتم بتطويرها وتحقيق أهدافه، كما أنه لا يشغل نفسه بنقد الآخرين ولا يضيع وقته في ذلك، لأنه يعتبر أن النقد بضاعة سهلة يجيدها الكل، بينما البناء بضاعة ثمينة قلما يحسنها الناس. والإيجابي كذلك واثق من نفسه، لا يهمه رأي المثبطين ولا يكترث بأقوالهم، ومن سماته كذلك أنه دائم العفو والصفح، لذا تجده يتجاوز عن أخطاء الآخرين ويقيل العثرات والزلات، يقول المولى عز وجل خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ.

ومن أميز صفات الإيجابي كذلك أنه هين لين الجانب كما قال ﷺ ألا أخبركم بمن يحرم على النار، وبمن تحرم النار عليه؟ على كل هين لين قريب سهل.

وهنا قد يقول قائل أنا أمتثل الإيجابية في حياتي، ولكني لا أجد معينا لي في من حولي يعينني على ذلك فلا أسرتي ولا زملائي في العمل ولا مجتمعي الذي أعيش فيه فماذا أفعل:

يقول د. الخليفي أنت لست مسؤولا عن تصرفات الغير، وإنما عليك أن تهتم بما يتوجب عليك، قدم الاحسان ولا تتنظر المكافأة عليه، ويستدل بقصة الرجل مع قرابته، ففي الحديث (أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).

والشخصية الإيجابية تسخر طاقتها لما يعود عليها وعلى أفراد مجتمعها بالخير، فتواصل إنجاز الأعمال والمشاريع التطوعية، حتى وإن اعتبرها غيرها من أفراد المجتمع بأنها أعمال متأخرة ولا يرتجى من ورائها فائدة تذكر، يقول ﷺ إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها.

وتحرص هذه الشخصية على نقل الأفكار الإيجابية دائما، وتهتم بالتركيز على دائرة التأثير وترك دائرة الاهتمام، والمعنى أنها تستثمر طاقتها في الأمور التي يكون لها فيه دور مؤثر، وتتجنب أن تضيع وقتها في ما ليس لها فيه أي تأثير يذكر، قال المصطفى المختار ﷺ من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

وينبغي على من يريد أن يتمتع بشخصية إيجابية أن يتجنب أعداء الإيجابية كقلة النوم؛ لأنها تدفع إلى تعكير المزاج، ومن ذلك أيضا الابتعاد عن الضغوط، لأنها تشغل العقل بالافكار السلبية، وكذلك تجنب مجالسة السلبيين والاستماع للأخبار المزعجة من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وكذلك تجنب الانشغال بالنظر إلى ما في يد الآخرين.

أما أثر الإيجابية على المجتمع فإنها -وبلا أدنى شك- تسهم في تسخير جهود أبناء المجتمع في العمل والبناء، وتحافظ على أن تسود الألفة والتعاون بين أبنائه، وتساهم كذلك في زيادة كمية الظواهر الإيجابية في المجتمع كحفظ الحقوق وتقديم الضعيف ومراعاة الفقير ومساعدة المحتاج وكثرة الأعمال التطوعية وحب المبادرة والتفاني في إنجاز الأعمال المختلفة. وبالتالي تتحول مجتمعاتنا إلى مجتمعات مثالية يسودها التآلف والتكاتف والوئام.

قال ﷺ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

azmani21 @