عبدالله الغنام

جاء في تفسير آية «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ» عدة معانٍ منها (مشقة ومكابدة). والمتتبع لحياة الإنسان الاجتماعية والعملية يكاد يجد أنها لا تخلو من المنغصات. وفي كل يوم نحن نعيش بين ضغوطات مختلفة وعقبات حياتية ومعيشية. وهي تتنوع ما بين مشكلات اجتماعية وأسرية ومهنية، وردة أفعالنا تجاهها متباينة ونسبية، فما تراه أنت حدثا صغيرا قد ينظر إليه الآخر على أنه أمر جليل!

والمنغصات في الحياة هي جزء منها. والشاعر يقول عنها: طُبعتْ على كدر وأنت تريدها... صفوًا من الأقذار والأكدار. والبعض يُجمّلها ويطلق عليها (تحديات) كنظرة تفاؤلية. وهذ المنغصات (أو التحديات) يختلف وقعُها على الإنسان بحسب شخصيته والبيئة التي نشأ فيها، وكذلك المحيط الذي يعيش فيه. فالبعض قد يضخمها بكثرة التفكير فيها لتصبح أكبر من حجمها الحقيقي، ويحملها بين جنبيه طوال وقته لتنغص عليه بقية يومه أو أيامه، فكأن الحياة كلها تدور في فلك تلك المشكلة.

ومن الملاحظ أنه حين تقع المشكلة على البعض لا يستطيع في الغالب التفكير بطريقة صحيحة لأنه يقع تحت تأثير العاطفة وردة الفعل، ويبتعد بالتالي عن العقلانية في التحليل لأنه يعيش داخل (الصندوق المنغص)، فيضيق حيز تفكيره، وينخفض مستوى الإيجابية والتفاؤل، ولذلك يحتاج إلى الاستشارة والحديث إلى من يثق بهم لأنهم يعيشون خارج تأثير الصندوق. ومن الغرائب والطرائف أنك قد تجد فئة من الناس تستطيع طرح الحلول للآخرين، ولكن حين تقع عليه بعض هذه المنغصات لا يستطيع هو الخروج منها لأنه قابع تحت تأثيرها!

والواقع أنه لا يوجد أحد مرتاحا بالكلية (إلا ما رحم ربي وقليل ما هم)، فالكل يحمل بين جنبيه معاناة وآهات. وقد قال العقاد: صغيرٌ يطلبُ الكِبرا.. وشيخ ود لو صَغُرا، وخالٍ يشتهي عملًا.. وذو عمل به ضَجِرا، ورب المال في تعب.. وفي تعب من افتقرا!

ومما يطرح كحلول عملية هو ما يسمى بالتغافل، وهو ما أراه سهلا ممتنعا، فليس الكل يحسنه ويجيده. وروي أن الأمام أحمد بن حنبل سئل عن العافية فقال: تسعة أعشار (90%) العافية في التغافل، ثم قال: بل هي العافية كلها!

ولعل الانشغال بالحياة العملية بشتى نواحيها هو جزء من الحل لبقاء العقل والذهن شاردا عنها، فالعقل البشري لا يستطيع أبدا التفكير أو معالجة أكثر من مشكلة أو قضية في وقت واحد!

وفي بعض الأحيان الحديث مع الأصدقاء المقربين يخرج مكنون النفس، ويكون جزءا من التغاضي عن بعض هذه المنغصات فقد جاء في كتاب (الإمتاع والمؤانسة) للتوحيدي: «في المحادثة تلقيح للعقول، وترويح للقلب، وتسريح للهم، وتنقيح للأدب». وذُكر أن عبدالملك بن مروان قال: قد قضيت الوطر من كل شيء إلا من محادثة الإخوان في الليالي الزهر.

ومما يُريح النفس قليلا أن كل شخص لا يخلو قلبه من منغصات صغيرة كانت أو كبيرة، أي أنك لست وحدك في هذا الكون الذي يشعر بذلك! ويصدق في هذا الجانب ما قالته الخنساء: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي!

وفي بعض الأحيان نضخم المشكلة بكثرة تردادها (العجْن والّلت) مع أن الوقت والزمن كفيل بنسيانها أو تخفيف وطأتها، والكتاب يكفل ذلك أيضا! وأنظر إن شئت مثلا: كتاب (لا تهتم بصغائر الأمور فكل الأمور صغائر) لريتشارد كارلسون، فهو يعالج مثل هذه القضايا من زوايا مختلفة.

وخلاصة القول، إننا لو شققنا عن قلوب بعضنا لوجدنا فيها الكثير من هذه المنغصات، ولكن الحياة خُلقت (مبرمجة) على هذا النحو. ومما يسلينا فيها أنها ترفع دوما شعار (لا حزن يدوم ولا سرور)، وهي في كل يوم لها شكل وزينة ومنغص!

abdullaghannam@