من الطبيعي أن كل إنسان يعتز بلغته، التي نشأ وترعرع بين نغماتها، فله فيها حنين وأشجان، حيث خرجت تأتأته وحروفه الأولى كأنها ألحان عذبة على أسماع والديه. وحديثنا اليوم عن اللغة؛ لأن (21) من الشهر الحالي فبراير يوافق (اليوم العالمي للغة الأم).
ويحتفل بهذا اليوم منذ 1999م من قبل منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، وأصبح يوما رسميا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008م. وبحسب هيئة الأمم، فالاهتمام بهذا اليوم جاء من أجل: «تعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات».
واللغة تكشف فكر الإنسان، وتربطه بوطنه وأمته. وفي أوج حقبة الاستعمار الغربي للعالم كانت من أولوياته انسلاخ الشعوب من لغتهم الأم إلى لغة المستعمر من أجل قلعه من جذوره، وحتى يكون نسخة مكررة وتابعة للآخرين. وأما اليوم، فالعولمة كفيلة بالتأثير على اللغات الأم للشعوب إما بنسيانها أو طمسها أو خلخلتها عن تراثها وأصولها! وأما الأسوأ من ذلك كله، فهو حين يتنكر الإنسان للغته الأصلية ويفتخر رطنا وتعسفا بلغة الآخرين بدون حاجة أو مسوغ كتأثر المغلوب بالغالب!
والجدير بالذكر، أنه يوجد حاليا ما يقارب من (7000) لغة حول العالم بين لغة رسمية ومحلية. وبحسب موقع هيئة الأمم فكل أسبوعين تندثر لغة منها، حيث تختفي معها تراثها وفنها وفكرها. وصدق مَنْ قال: إن اللغة هي هوية الإنسان.
واللغات الرسمية في هيئة الأمم هي ست لغات فقط: (العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية). وهذه اللغات الست هي التي تتم الترجمة الشفهية والنصية الفورية لها خلال الاجتماعات. ومن الملاحظ أن نسبة (اللغات الست) إلى (7000 لغة) هي (0.1%) فقط. فإذا كانت لغتك الأم موجودة من ضمن هذه الست، فاعلم أنها ما زالت قوية ومؤثرة في هذا العالم.
وبينما كنت أبحث في هذا الموضوع (اللغات)، خصوصا النادر منها أو التي يخشى عليها من الاندثار وقعت على لغة تسمى (اللغة الكمزارية) نسبة إلى منطقة تسمى (كمزار) في دولة عُمان. وهذه اللغة هي خليط من عدة لغات منها: الهندية والفارسية والعربية والبرتغالية والإنجليزية، واحتمال أن هذا التنوع اللغوي فيها لأنها مدينة ساحلية وميناء. وعدد الذين يتحدثون بها اليوم هم فقط 4000 نسمة. وهي لغة منطوقة (تتعلم بالمشافهة) وليس لها نظام كتابة.
ولو تأملنا أمثلة أخرى في عدد اللغات المستخدمة في التقنيات الحديثة، فبرنامج (الهوت ميل) مثلا يدعم 106 لغات. وأما برنامج (ويندوز) الشهير وبحسب مدونته (بلوقر) فإنه يدعم أكثر من (7000) لغة!
ولعله من المهم أيضا أن نذكّر أنفسنا بأن لغتنا الأم (العربية) هي صفوة اللغات على الأقل من وجهة نظرنا، ومن وجهة نظر المنصفين من المستشرقين، الذين درسوا أكثر من لغة. يقول المؤرخ والمترجم الفرنسي ريجي بلاشير: «إن من أهم خصائص اللغة العربية قدرتها على التعبير عن معانٍ ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها».
وأما المفكر والشاعر عباس محمود العقاد فيقول: «هي (لغة شاعرة) ذات موسيقى، مقبولة في السمع يستريح إليها السامع، كما تمتاز عن سائر اللغات بحروف تفي بكل المخارج الصوتية، وتستخدم جهاز النطق أحسن استخدام... منفردة باجتماع القافية والإيقاع والأوزان القياسية في آنٍ واحد».
ولا بد من الإشارة إلى أن الواقع يشهد على حنين الإنسان إلى لغته الأم، وأنها تسري في عروقه. وحين نكون في غربة أو سفر ونستمع إلى أحد يتحدث بلغتنا، فإن قلوبنا تقفز طربا وهياما لنغماتها.
واللغة هي الوسيلة لتعبير عن العقل والقلب معا، وبها انتقل العلم والأدب جيلا بعد جيل، وبدونها تصبح الحياة صماء بكماء لا روح فيها، فسبحان من علّم آدم الأسماء كلها.
abdullaghannam@
ويحتفل بهذا اليوم منذ 1999م من قبل منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، وأصبح يوما رسميا من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2008م. وبحسب هيئة الأمم، فالاهتمام بهذا اليوم جاء من أجل: «تعزيز الوعي بالتنوع اللغوي والثقافي وتعدد اللغات».
واللغة تكشف فكر الإنسان، وتربطه بوطنه وأمته. وفي أوج حقبة الاستعمار الغربي للعالم كانت من أولوياته انسلاخ الشعوب من لغتهم الأم إلى لغة المستعمر من أجل قلعه من جذوره، وحتى يكون نسخة مكررة وتابعة للآخرين. وأما اليوم، فالعولمة كفيلة بالتأثير على اللغات الأم للشعوب إما بنسيانها أو طمسها أو خلخلتها عن تراثها وأصولها! وأما الأسوأ من ذلك كله، فهو حين يتنكر الإنسان للغته الأصلية ويفتخر رطنا وتعسفا بلغة الآخرين بدون حاجة أو مسوغ كتأثر المغلوب بالغالب!
والجدير بالذكر، أنه يوجد حاليا ما يقارب من (7000) لغة حول العالم بين لغة رسمية ومحلية. وبحسب موقع هيئة الأمم فكل أسبوعين تندثر لغة منها، حيث تختفي معها تراثها وفنها وفكرها. وصدق مَنْ قال: إن اللغة هي هوية الإنسان.
واللغات الرسمية في هيئة الأمم هي ست لغات فقط: (العربية والصينية والإنجليزية والفرنسية والروسية والإسبانية). وهذه اللغات الست هي التي تتم الترجمة الشفهية والنصية الفورية لها خلال الاجتماعات. ومن الملاحظ أن نسبة (اللغات الست) إلى (7000 لغة) هي (0.1%) فقط. فإذا كانت لغتك الأم موجودة من ضمن هذه الست، فاعلم أنها ما زالت قوية ومؤثرة في هذا العالم.
وبينما كنت أبحث في هذا الموضوع (اللغات)، خصوصا النادر منها أو التي يخشى عليها من الاندثار وقعت على لغة تسمى (اللغة الكمزارية) نسبة إلى منطقة تسمى (كمزار) في دولة عُمان. وهذه اللغة هي خليط من عدة لغات منها: الهندية والفارسية والعربية والبرتغالية والإنجليزية، واحتمال أن هذا التنوع اللغوي فيها لأنها مدينة ساحلية وميناء. وعدد الذين يتحدثون بها اليوم هم فقط 4000 نسمة. وهي لغة منطوقة (تتعلم بالمشافهة) وليس لها نظام كتابة.
ولو تأملنا أمثلة أخرى في عدد اللغات المستخدمة في التقنيات الحديثة، فبرنامج (الهوت ميل) مثلا يدعم 106 لغات. وأما برنامج (ويندوز) الشهير وبحسب مدونته (بلوقر) فإنه يدعم أكثر من (7000) لغة!
ولعله من المهم أيضا أن نذكّر أنفسنا بأن لغتنا الأم (العربية) هي صفوة اللغات على الأقل من وجهة نظرنا، ومن وجهة نظر المنصفين من المستشرقين، الذين درسوا أكثر من لغة. يقول المؤرخ والمترجم الفرنسي ريجي بلاشير: «إن من أهم خصائص اللغة العربية قدرتها على التعبير عن معانٍ ثانوية لا تعرف الشعوب الغربية كيف تعبر عنها».
وأما المفكر والشاعر عباس محمود العقاد فيقول: «هي (لغة شاعرة) ذات موسيقى، مقبولة في السمع يستريح إليها السامع، كما تمتاز عن سائر اللغات بحروف تفي بكل المخارج الصوتية، وتستخدم جهاز النطق أحسن استخدام... منفردة باجتماع القافية والإيقاع والأوزان القياسية في آنٍ واحد».
ولا بد من الإشارة إلى أن الواقع يشهد على حنين الإنسان إلى لغته الأم، وأنها تسري في عروقه. وحين نكون في غربة أو سفر ونستمع إلى أحد يتحدث بلغتنا، فإن قلوبنا تقفز طربا وهياما لنغماتها.
واللغة هي الوسيلة لتعبير عن العقل والقلب معا، وبها انتقل العلم والأدب جيلا بعد جيل، وبدونها تصبح الحياة صماء بكماء لا روح فيها، فسبحان من علّم آدم الأسماء كلها.
abdullaghannam@