لمى الغلاييني

في كل مرة يتقابل اثنان يتكون عالم ثالث جميل ليس له مثيل، ولكن الأمور سرعان ما تتغير، ونبدأ في بناء التوقعات حول الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها العلاقة، ونحاول أن نلوي عنق هذه المشاعر الروحانية وإجبارها على تحقيق متطلباتنا بدلا من التماشي معها بانسيابية وسلاسة، ويزداد عنادنا في حدة المقاييس وتبدأ البهجة بالذبول، فكلنا نواجه التحديات في علاقاتنا، وهي تملك القوة لتجعلنا سعداء أو تعساء، ولا علاقة لهذا بعدد السنوات بل بالنمط المتبع، فكل منا لديه نظام يتبعه في العلاقات ومجموعة من القناعات التي نسعى لترسيخها كحقيقة مؤكدة مطلقة، فحين نتواصل مع الآخرين نراهم من خلال النموذج المستخدم لدينا للكيفية التي ينبغي أن يكونوا عليها، ولو لم يتم تطابقهم معه نبدأ بالشك في علاقتنا بهم، وطرح أسئلة الحيرة، فهل أنا غير كاف؟ أم هل كانوا يكذبون؟ وهل توقعاتي أعلى من اللازم؟ والعديد من الأسئلة الداخلية العميقة التي يتجنب معظم الناس طرحها أو لا يحبذون مواجهة إجابتها، لكن سعادة الحياة تأتي من كلمة واحدة هي التقدم، فإما النمو أو التدهور، ولا يوجد خيار آخر، ومشكلات العلاقات تضعنا أمام أكبر تحديات النمو، لأن خوفنا العميق لا يظهر إلا في العلاقات، كالخوف من أننا لسنا على القدر الكافي، أو لسنا أذكياء بما يكفي، ومعظم الناس يشعرون في مرحلة ما أنهم عالقون في أنماط علاقاتهم، ففي اللحظة التي تصبح فيها جزءا من كيان أكبر وهو العلاقة، يفرض الكيان شخصيته وقواعده، ولهذا فالخطوة الأولى هي فهم ديناميكية العلاقة واستيعاب نموذج الطرف الآخر، ولا تعتبر الأمر أنه يريد أن يعاندك أو يتجاهلك، أو أنك غير كفء وعاجز عن نيل القبول، أما الخطوة الثانية فهي تعديل الملف العقلي الذي يعتبر أنك دوما على صواب والآخر هو الملام والمطالب بتغيير السلوك، وأن تحاول الانتقال بشجاعة لموقع المقابل واكتشاف قناعاته والتوغل في فهم نموذجه للعالم، واعتباره جزءا جوهريا من اللعبة التي ترسمان تصميمها معا، فجميعنا لديه حرية الاختيار أكبر بكثير مما نتخيل، وعلى الرغم من ظروف طفولتنا والسياق الاجتماعي الذي نشأنا فيه، وطبيعتنا البيولوجية، إلا أنه هناك دوما اختيار في تخطيط طبيعة الدور في العلاقة، وهو من أهم القرارات التي نصنعها في حياتنا، فعلاقاتنا تحدد مستوى سعادتنا واستقرارنا النفسي، ولا أحد يعيش في معزل، فالفرد دوما جزء من علاقة ثنائية، وما يحدد هويتنا كبشر هو حاجتنا لأن نكون على صلة بالآخر، وأن نكون مقبولين، ويتأكد وجودنا بهذا القبول، فعندما يتواصل شخصان فإنهما يخلقان دائرة ومجالا نشطا يقوى تأثيره بحجم مشاركتهما فيه، وكل مساهمة نحو تحقيق السعادة وتجنب المعاناة في حياتنا يجب أن ترتكز جهودها على تحسين العلاقات، ولا بد أننا شعرنا جميعا بأننا نفهم شخصا ما بشكل حقيقي، ولكن الترجمة الأصلية لهذا الموقف هو أن نموذجنا الذي نتصور به هذا الشخص تطابق مع الواقع لبرهة أسعدتنا لبعض الوقت، ولكن عاجلا أم آجلا سيصدر عنه تصرف غير متوقع أو صادم للنموذج المرسوم، وسيكون تفسيرنا المبدئي أنه تغير وتبدلت أخلاقه، ولكن ذلك نادرا ما يكون السبب الحقيقي، وكل ما هنالك أننا لم نر هذا الجانب سابقا لأننا لم نضعه في مكونات نموذجنا عنه، أو لم يأت الموقف الذي يسترعي انتباهنا لهذا السلوك، فنحن نعرف الآخر دوما ليس كما يكون بل بالنموذج المبني عنه داخل رؤوسنا واعتمادا على خبراتنا، وحين نحكي قصصنا عن الآخرين ننسجها من منظورنا، وكيفية إدراكنا للعالم وقناعاتنا، وعندما يشذ الشخص الآخر عن الدور المرسوم في قصتنا عنه، فإننا نصدم ونصاب بالخيبة، لذا تذكر أن التوقعات تخلق المشكلات، فكن ذكيا في إدارة توقعاتك، ولا تسمم نفسك بقناعات غير عقلانية حول نفسك والآخرين.

LamaAlghalayini@