المرأة لم تكن يوما خط الظل القصي في دائرة الضوء البشرية، بل أن لها من مد الشعاع ما للرجل من امتداد واتساع، ويخطئ من يظن أن دور المرأة في ملحمة الإنسانية ينحصر في منطقة الظل، ولن تجد عاقلا يقر قانعا بذلك. ولست أفتح بهذا الكلام باب الإطلاق فكل ميسر لما خلق له، وللمرأة من الصفات ما إن وجدت في محيطها الصحيح وظروفها الملائمة أثمرت للبشرية خيرا كثيرا.
في بدايات القرن الماضي، كانت الثورة الصناعية في مخاض عن علم جديد اقتضته الضرورة الحياتية للمجتمعات الغربية المفرزة للاختراعات العلمية الحديثة والإنتاج الصناعي الكثيف، في تلك الحقبة سبق المهندس فريديريك تايلور بإطلاق أولى نظريات المدارس الإدارية والتي لم يخرج عند وضعها عن عقليته الهندسية واضعا أساس (مدرسة الإدارة العلمية) على مبادئ ثمنت الآلة وإجراءات العمل ووضعتها محل الأولوية على حساب الإنسان وحاجاته البشرية في العمل، الأمر الذي فتح باب النقد على مدرسة الإدارة العلمية واستحث العديد من مفكري ومنظري علم الاجتماع وعلم النفس للتصدي لها في فترة ما بين الحربين العالميتين، فتوالت النظريات والمدارس الإدارية تترى مثرية عصر النهضة الصناعية الحديثة بزخم من التنظير والدراسات والتجارب التي أوصلت عالم الأعمال والخدمات العامة لما هو عليه اليوم من تقدم، وسطرت أسماء أولئك العلماء في تاريخ علم الإدارة كرواد ومؤسسين.
ماري باركر فوليت (1868 - 1933) كانت من أوائل الذين تصدوا للمدرسة التيلورية مدافعة عن الحقوق الإنسانية للعاملين منطلقة من كونها منظرة ورائدة اجتماعية وصاحبة أفكار مؤثرة في علم النفس والعلاقات البشرية. ماري فوليت الناشطة الاجتماعية التي أنشأت واحدة من أقدم المنظمات التعليمية الهادفة في المجتمعات المحرومة والفقيرة منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، فكانت بذلك من أوائل المؤسسين لقواعد العمل الاجتماعي التطوعي، تبلورت اهتماماتها ونشاطاتها تلك في نظريات وأفكار حول السلوك البشري ضمن مجتمع منظمات الأعمال، وإسهامات أسست لعلم الإدارة المعاصر.
في عصرنا الحالي تركز الأعمال على مفاهيم الإدارة التشاركية والقيادة المرنة والعمل بالإدارة الكلية للعاملين Macro-management بدلا من الإدارة اللصيقة Micro-management، بعد عقود من البيروقراطية والإدارة الهرمية الصرفة، نجد أن فوليت سبقت الجميع بهذه المفاهيم الحديثة، ففي كتابها «التجربة الإبداعية - 1923» ظهرت لأول مرة مبادئ مثل win-win (حالة الفوز المتبادل)، وfluid leadership (القيادة المرنة) بفلسفة براغماتية في مجال علم النفس التنظيمي منادية بعلاقات قوة جديدة بعيدا عن القوة القسرية مما يعتبر أساسا لمبدأ الإبداع التشاركي في الإدارة Co-creation، وفي اطروحة لها بعنوان القوة (Power) عام 1923 فرقت بين السلطة «power-over» والتمكين «power-with» لصنع القرار التشاركي.
للقارئ في إسهامات فوليت أن يستشعر الجانب العاطفي للمرأة وحس الأمومة أحيانا في تعاطيها مع أثر التحولات الصناعية على الإنسان ومجتمعه، ذلك مع التزام طرحها بالموضوعية العلمية والبراغماتية أحيانا، فطروحاتها التي تناولتها الكثير من الدراسات النقدية عبر قرن من الزمان، جعلت من (ماري فوليت) أيقونة في علم الإدارة ورائدة للمدرسة السلوكية، بأفكارها التي أثرت بعمق في مجال السلوك التنظيمي. كما أن الطرح النوعي لفوليت والمنبعث من إحساسها بأزمة الإنسان في المجتمع الصناعي، والذي تميز بتقديم أساليب ومنهجيات تركز على خلق التوافق والتقدير والانسجام بين الأفراد في مجتمع المنظمة والحد من المنازعات، هو ما استحقت به ماري باركر فوليت لقب أم الحلول للنزاعات أو ((mother of conflict resolution)).
@piolc
في بدايات القرن الماضي، كانت الثورة الصناعية في مخاض عن علم جديد اقتضته الضرورة الحياتية للمجتمعات الغربية المفرزة للاختراعات العلمية الحديثة والإنتاج الصناعي الكثيف، في تلك الحقبة سبق المهندس فريديريك تايلور بإطلاق أولى نظريات المدارس الإدارية والتي لم يخرج عند وضعها عن عقليته الهندسية واضعا أساس (مدرسة الإدارة العلمية) على مبادئ ثمنت الآلة وإجراءات العمل ووضعتها محل الأولوية على حساب الإنسان وحاجاته البشرية في العمل، الأمر الذي فتح باب النقد على مدرسة الإدارة العلمية واستحث العديد من مفكري ومنظري علم الاجتماع وعلم النفس للتصدي لها في فترة ما بين الحربين العالميتين، فتوالت النظريات والمدارس الإدارية تترى مثرية عصر النهضة الصناعية الحديثة بزخم من التنظير والدراسات والتجارب التي أوصلت عالم الأعمال والخدمات العامة لما هو عليه اليوم من تقدم، وسطرت أسماء أولئك العلماء في تاريخ علم الإدارة كرواد ومؤسسين.
ماري باركر فوليت (1868 - 1933) كانت من أوائل الذين تصدوا للمدرسة التيلورية مدافعة عن الحقوق الإنسانية للعاملين منطلقة من كونها منظرة ورائدة اجتماعية وصاحبة أفكار مؤثرة في علم النفس والعلاقات البشرية. ماري فوليت الناشطة الاجتماعية التي أنشأت واحدة من أقدم المنظمات التعليمية الهادفة في المجتمعات المحرومة والفقيرة منذ تسعينيات القرن التاسع عشر، فكانت بذلك من أوائل المؤسسين لقواعد العمل الاجتماعي التطوعي، تبلورت اهتماماتها ونشاطاتها تلك في نظريات وأفكار حول السلوك البشري ضمن مجتمع منظمات الأعمال، وإسهامات أسست لعلم الإدارة المعاصر.
في عصرنا الحالي تركز الأعمال على مفاهيم الإدارة التشاركية والقيادة المرنة والعمل بالإدارة الكلية للعاملين Macro-management بدلا من الإدارة اللصيقة Micro-management، بعد عقود من البيروقراطية والإدارة الهرمية الصرفة، نجد أن فوليت سبقت الجميع بهذه المفاهيم الحديثة، ففي كتابها «التجربة الإبداعية - 1923» ظهرت لأول مرة مبادئ مثل win-win (حالة الفوز المتبادل)، وfluid leadership (القيادة المرنة) بفلسفة براغماتية في مجال علم النفس التنظيمي منادية بعلاقات قوة جديدة بعيدا عن القوة القسرية مما يعتبر أساسا لمبدأ الإبداع التشاركي في الإدارة Co-creation، وفي اطروحة لها بعنوان القوة (Power) عام 1923 فرقت بين السلطة «power-over» والتمكين «power-with» لصنع القرار التشاركي.
للقارئ في إسهامات فوليت أن يستشعر الجانب العاطفي للمرأة وحس الأمومة أحيانا في تعاطيها مع أثر التحولات الصناعية على الإنسان ومجتمعه، ذلك مع التزام طرحها بالموضوعية العلمية والبراغماتية أحيانا، فطروحاتها التي تناولتها الكثير من الدراسات النقدية عبر قرن من الزمان، جعلت من (ماري فوليت) أيقونة في علم الإدارة ورائدة للمدرسة السلوكية، بأفكارها التي أثرت بعمق في مجال السلوك التنظيمي. كما أن الطرح النوعي لفوليت والمنبعث من إحساسها بأزمة الإنسان في المجتمع الصناعي، والذي تميز بتقديم أساليب ومنهجيات تركز على خلق التوافق والتقدير والانسجام بين الأفراد في مجتمع المنظمة والحد من المنازعات، هو ما استحقت به ماري باركر فوليت لقب أم الحلول للنزاعات أو ((mother of conflict resolution)).
@piolc