سالم اليامي

صدر في تركيا بتاريخ الجمعة 5 مارس 2021م بيان من وزارة الخارجية هناك شديد اللهجة، وعالي النبرة، وقال البيان: إن جامعة الدول العربية وخلال الدورة 155 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري التي انعقدت في القاهرة قبل صدور البيان التركي بيومين، وجهت لتركيا اتهامات باطلة، وأن هذه الاتهامات مرفوضة تركياً، جملةً، وتفصيلاً. الاتهامات التي تحدث عنها البيان التركي تقول إن الجامعة العربية تتهم تركيا بأنها تتدخل في شؤون الدول العربية الأعضاء، وأن هذا الاتهام من قبل الجامعة العربية مرفوض، ولا يستند إلى حقائق، أو أدلة. البيان التركي لم يكتف بهذه اللغة العدائية، بل وصف دولا معينة لم يذكرها بالاسم أنها تصر على استخدام أنشطة تخريبية في المنطقة العربية، ومع ذلك يوجه التهم للجانب التركي! الغريب في البيان التركي حتى ليشك من يقرؤه أن يكون صادرا من وزارة خارجية دولة إقليمية مهمة. حيث يذكر البيان نصاً أن «تركيا تضمن الأمن على مستوى العالم» كما ذكر البيان أن تركيا تعمل على «حماية سيادة ووحدة أراضي الدول العربية» هذا البيان في تصوري مثل الفعل الأقبح من الذنب، ومن أراد أن يعرف فداحة البيان فالجامعة العربية لم تقل إلا تقريرا لواقع، وهو: أن تركيا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، كما تمت مطالبة تركيا بسحب قواتها من سوريا، وليبيا، والعراق. والبيان التركي رغم درجة الصدمة العالية في صياغته سياسياً، ومنطقياً إلا أن هناك من المعلقين الأتراك من تصدوا لهذا الأمر أيضاً وتحدث بعضهم عن تركيا من أكثر من منظور، ومن ذلك المنظور التاريخي حيث ذهب البض إلى أن تركيا لا تقوم بجديد بإرسال قواتها للبلاد العربية، وأنها بذلك الفعل تعيد الدور التاريخي التركي الذي كان يقوم في تواريخ غابرة بدور الولاية السياسية، والإدارية على الأراضي العربية، وما يحدث اليوم هو تجديد لذلك التاريخ بكل بساطة، ويبرر التدخل التركي السافر في شؤون أكثر من بلد عربي على أنه ممارسة لدور طبيعي يمتد لزمن طويل، ويعود اليوم من منظور أن الدولة التركية قوة إقليمية وفاعلة في المحيط الإقليمي خاصة على مسارات حفظ الأمن والسلم للدول العربية، ولحفظ وحدة أراضي الدول العربية. المنطق السياسي التركي أعوج، وغريب، في بعديه التاريخي، والسياسي، وحتى الواقعي. ولعله يتعاظم في هذه الفترة من عمر الأمة العربية التي تبدو فيها المنطقة العربية ضعيفة، وغير قادرة بقوى دفعها الذاتية الدفاع عن سيادتها، وإخراج الآخر أياً كان من الأرض العربية. من سوء حظ المنطقة العربية في هذه المرحلة أنها تعيش حالة تمزق، وضعف بينة. مما جع القوى الإقليمية الثلاث تركيا، وإيران، وإسرائيل على التطاول على معطيات أساسية في الحالة العربية، الغريب أن هذه القوى الثلاث تتصارع في الإقليم ولكن خارج حدودها، وبطبيعة الحال على الأرض العربية من العراق، إلى سوريا، إلى اليمن، ثم إلى ليبيا. والأغرب أن هذه القوى الإقليمية تنشر بذور الشقاق، والاحتراب بين المجتمعات العربية عبر تفتيت الدولة، ومؤسساتها، وعبر تفتيت المنظومات السياسية، والعسكرية، وتحول مجتمعات الدولة التقليدية على عصابات، وميليشيات وفصائل متناحرة. هذه واحدة من الوصفات التي صدرتها للعالم العربي القوة الإيرانية. التي تجتهد مع القوى الدولية المتراخية في التحول إلى قوة نووية، وعندها تفرض شروط، وأساليب، وعلاقات جديدة على الأطراف الأضعف. إسرائيل أيضاً تقسم المنطقة العربية بقوى أكثر نعومة، وأكثر دهاءً، أما الأتراك فقد كسبوا الفعل الخشن، والقوة البدنية، أو العضلية تاريخياً، لذلك تأتي حتى بياناتهم السياسية جافة، وصادمة ولا تخلو من الخشونة. يبقى السؤال الأكبر على الدور العربي، والموقف العربي. كيف سيكون، وإلى أين سيتجه، وكيف سيدافع عن بلاد العرب، وسيادتها، وأمنها؟.

@salemalyami