غنية الغافري

تحدثنا في مقال الأسبوع الفائت عن الفقر وخلصنا إلى أن الفقر حالة لا يمكن إغفالها لكننا لفتنا الانتباه إلى بعض المستكثرين الذين يستجلبون العطف من خلال الكذب ويزيفون الحقائق وأن هؤلاء في حال تبنتهم الجمعيات الخيرية فإنهم سيأخذون نصيب غيرهم من المحتاجين فعلا مما سيؤثر على ميزانيات الجمعيات، كما أكدنا على أهمية عمل الباحث الاجتماعي في تمييز المحتاج من غيره وأن العاطفة وعدم التثبت قد تقود إلى الحكم غير الصحيح وحصوله على ما لا يستحق..

ومن خلال المواقف التي يتعرض لها الباحثون من بعض الأسر هداهم الله والتي قد تنطلي على بعضهم نسرد بعضها للتنبيه فليس كل من يقسم صادق ! فإبليس عندما أراد الاحتيال وادعى النصح ليغوي آدم وحواء أقسم أنه من الناصحين !

1- أسرة تنتقل من بيتها لبيت متهالك ضمن الأحياء الفقيرة في المواسم التي يكثر فيها المحسنون كرمضان مثلا وتأخذ معها أقل الأساسيات حتى إذا ما جاء الباحث رق قلبه لما يرى من البؤس ودون في تقريره أكثر مما تستحق.

2- أسرة تخفي بعض الأساسيات والكماليات حال زيارة الباحث ليبدو البيت أكثر بساطة وتقشفا وأدعى لتصديق الحال، كما تستجدي الأسرة من الجمعية توفير ما أخفته من الأثاث لبيعه لاحقا!

3- تتفق بعض الأسر مع مكتب العقار لتدفع له الجهة الخيرية أو المتبرع الإيجار حيث إن المؤسسات غالبا لا تعطي مبلغ الإيجار للمحتاج مباشرة ثم تتقاسم معه المبلغ وتطلب من جديد لدى جهة أخرى.

4- يلجأ بعض أرباب الأسر للاقتراض المفرط بكافة الطرق من البنوك وشراء المنتجات بالتقسيط ومن الأشخاص (دون حاجة) فإذا انتهى ما لديه وكثرت عليه الشكايات تم إيقافه على ذمة الديون واضطر زوجته وأبناؤه للاستعانة بالجمعيات لإعانتها! ولا تشمل هذه الحالة أصحاب الديون التي جاءت دون ترتيب بل هي لمن تعمد وأتى بالديون مع سابق الإصرار والترصد! ومن المنطقي أن يعلم سبب الاقتراض في حال وجود هذه الحالة.

5- تكذب بعض الأسر وتخفي معلومات مهمة على الباحث فقد تكون مطلقة تزوجت لاحقا لكنها تبرز صك الطلاق السابق وكما قد تكون موظفة وتخفي ذلك أو أنها تدعي إعالة أبنائها وهم عند والدهم أو تعول والديها وغيره.

6- أسرة تطلب الحصول على أجهزة كهربائية وأثاث فإذا ما تم توفيره باعته وطلبت من جمعية أخرى كما تتكدس لديها المواد الغذائية وتبيعها وتطلب مرة أخرى.

7- استكثار بعض الأسر من الكماليات فتجد لديهم ما لا يوجد لدى أسرة مقتدرة من الأجهزة والأثاث والاهتمامات.

8- اعتقاد بعض الأسر أن الإعانة التي يجود بها المحسنون ابتغاء ما عند الله حق مكتسب لهم، فهم يغدقون في الكماليات ويزيدون بالطلب خاصة عندما تكون إحدى الأسر المقتدرة هي التي تكفل أسرة محتاجة فتجد الأسرة لا تريد أن تقوم بأدنى مسؤولية في البيت ولا يكلفوا أنفسهم البحث عن عمل فالأسرة الكافلة تغنيهم وتمنحهم الأمان.

9- أسر لا تقبل العمل ولا تستمر في وظيفة وتشترط في أي عمل شروطا تعجيزية!

إن هذا البلد الذي عرف أهله بالإقبال على البر والإحسان فتح شهية البعض والمستكثرين إلى الحصول على أكثر مما يستحقون، فإن كانت الأسرة يكفيها 2000 ريال مثلا مع توفير السكن وهو المبلغ الحقيقي الذي يسد حاجتها بحسب دراسة مقدار دخل الفرد فيها فإنها تسعى لأن تضاعف المبلغ بشتى الطرق وإن كنا لا نبيح للتاجر أن يضاعف دخله ويضر بميزانية المستهلك ويرهقه فمن الأولى ألا نجيز للمحتال والمستكثر في الحصول على أموال المتبرعين على وجه الضرب في الأرض! ولم يعرف عن أهل النفوس الكريمة والحالات المتعففة وهم الأغلب الأعم سلوك هذا الطريق وإن كانت الحالات التي ذكرتها هي حالات فردية فإن مقالي هذا للتأكيد على البحث المتعمق في كل حالة وضرورة الربط بين الجمعيات الخيرية والوزارات المعنية في المنطقة واستبعاد الأسماء المكررة والتأكد من معلومات المستفيدين ومن يبدأ بالكذب دون حاجة يستبعد ويتحمل وزر المعلومات المغلوطة التي أدلى بها.

أخيرا أيها الباحث أنت مؤتمن في بحثك فاتق الله وليكن لديك حصانة من العاطفة المفرطة! وكن كالطبيب الذي إن زاد جرعته أضر بالمريض ولننتقل بالمحتاج من الرعوية إلى التنموية كما تنادي بذلك وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، فالجمعيات الخيرية تمنحهم الأمان لفترة حتى يكبر أبناؤهم ويقوى عودهم ثم تنتقل لأسرة أخرى فمن غير المنطقي أن تعيل الجمعية أسرة شبابها أكثر من صغارها!

@ghannia