د. نايف بن عيسى الشدي

يحكى أن قرية صغيرة هانئة هادئة، معزولة عما يحيط بها، ومتناغمة مع محيطها، تصبح وتمسي على أصوات العناق بين الأمواج ورمال الشاطئ، فيهب الصيادون بقواربهم الصغيرة ليرموا خيوطهم على الصيد قبيل أن ترمي الشمس خيوطها الذهبية عليهم، ويمكثون على ذلك طيلة النهار ما بين شد وجذب، ليسحبوا شباكهم من الماء قبل أن تسحب الشمس الضياء من السماء، فيعودون بمغانم تكفي أهل القرية وتزيد، فيزداد بذلك شغفهم للقاء مَنْ يستقبلهم من أحبابهم وذويهم على ضفاف شاطئهم الجميل، ليتلقفوا منهم حصيلة اليوم، فتبدأ بذلك مهمة الاستعداد لمراسم الاحتفاء الليلي، فتحضَّر الأمهات الموائد بما لذ وطاب من غنائم البحر، وترتب الفتيات المجالس بدل ودلال، ويساندهم بذلك الشباب والأطفال، وحتى يحين وقت العشاء يكون الصيادون قد استراحوا من عناء رحلتهم، ليتجدد اللقاء بصحبهم وذويهم وكأنهم لم يكونوا معًا في الصباح، ولم يروا أحدا في الغداة، لتنطلق الضحكات وأجمل الذكريات، ويتبادلون قصص اليوم وأحداثه بطرائف الصيد ومغامراته، فيلاعبون أطفالهم ويرقصون طربا مع أحبابهم، إلى أن يتغشاهم النوم في أول الليل، فيخلدون بذلك مطمئنين إلى فرشهم بعد رحلة يوم سعيد بكل تفاصيله.

وبينما هم على هذه الحال زارهم رحال أمريكي مستثمر ومحب للاستكشاف، فشد انتباهه ما رآه من وفرة الصيد، ووقف على آلية عملهم، وبدائية طرائقهم، فبادرهم باقتراح ومشورة تغير قواعد الاقتصاد لديهم، ليكونوا أكثر احترافية فيجمعوا جهودهم في قارب كبير يمخر عباب المحيط، بدلا من تلك القوارب الصغيرة المتناثرة التي تلزمهم بالعودة ليليا، فتكون العودة بعد أسبوع ثم أسبوعين حتى يصلوا إلى القدرة على البقاء لأكثر من شهر، محملين بأضعاف ما هم عليه، فتتضافر الجهود ويتضاعف الصيد، وترتفع إيراداتهم وينتعش اقتصادهم، في خطة محكمة تُحوّل قريتهم إلى جنة وقواربهم إلى أسطول من البواخر، بما لا يكلفهم الكثير، ويدر عليهم الخير الوفير، ولم يزل يطير بهم في عالم الأحلام، ونشوة التأملات في حماس لمعت منه العيون، وبدت الموافقة على صفحات الوجوه، حتى سأله كبير حكمائهم سؤالا عفويًا:

بظنك كم من الوقت نحتاج لتحقيق ذلك المشروع الواعد الجبار؟

فكان الرد منه حاضرا: المدة يا سيدي لن تتجاوز العشرين عامًا.

الحكيم: ثم ماذا سيكون؟

المستثمر: تتحولون إلى مستثمرين وأغنياء ومقتدرين بدلا من الفقر، الذي أنتم عليه.

الحكيم: ولماذا؟

المستثمر: لتعودوا بتلك الأموال إلى ذويكم لتحقيق أمانيكم والأنس بأهليكم وأطفالكم، والاحتفال بنجاحاتكم والسعادة بمنجزاتكم.

الحكيم: بعد عشرين عامًا لن يبقى صغارنا أطفالا، وسنفقد كبارنا، ويشيب شبابنا، بينما نحن في كل ليلة نحتفل طربًا، ونضحك ملء أفواهنا سعادة وأنسًا، فما الحاجة لننتظر كل هذه المدة حتى نحقق تلك السعادة، التي ننعم بها في كل ليلة.

فانتهى بذلك الحوار، لتجيب تلك القرية السعيدة على السؤال الكبير -كما وصفه- المذيع الشهير «ستيف هارفي»Steve Harvey، الذي يسأله كثير من الناس لأنفسهم: ماذا عليَّ أن أفعل لأكون سعيدًا؟

وقد وجه «ستيف» هذا السؤال لأحد أشهر عمالقة المحاضرين في التنمية البشرية والتطوير الذاتي «تي دي جاكس» T. D. Jakes في إحدى مقابلاته الملهمة، فكانت إجابته في خمس خطوات، نختزلها بما يلي:

أولا: Own your own happiness امتلك سعادتك الخاصة. فلا تنتظرها أو تتوقعها من غيرك.

ثانيا: Challenge your story غيّر قصة حياتك بالتحدي، لا بالأمنيات.

فما نيل المطالب بالتمني... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

ثالثا: وهي الخطوة الأكثر أهمية لتحقيق السعادة «Enjoy the journey» الحياة رحلة، استمتع بجميع تفاصيل تلك الرحلة ومحطاتها ولا تنتظر الوصول للوجهة كي تحتفل.

رابعًا: Make relationships count اجعل لجميع علاقاتك قيمة، فلا ثمرة من الحياة بلا علاقة جميلة بمَنْ يحيطون بك. ولا تهدر وقتك مع مَنْ لا يستحقك.

خامسا: وأخيرًا «Balance work with play» وازن بين العمل واللعب، فالحياة بينهما تنقسم وتستقيم.

وخلاصة الرحلة استمتع بكل محطة تمر بها وبكل لحظة تشهدها وبكل شخص تلتقيه وبكل حدث يمر بك، وبكل متعة تواجهك، فلا تقل إذا تخرجت سأستمتع، أو إذا تزوجت سأستمتع، أو إذا كبر أطفالي، أو إذا حصلت على الدرجة العلمية، أو إذا ترقيت في العمل، لا تنتظر شيئا من ذلك حتى تحتفل، فكثير مما لديك يعد حلمًا عند غيرك، واليوم الذي ينقضي منك لن يعود إليك، كونوا سعداء بما تملكون ومَنْ تعرفون وما تحبون، وبخير دائما، فالحياة تتألق بحلاوة الإنجاز وبالمهم، وأجمل من أن تضيع بالهم.

@nayefcom