سعود القصيبي

تزخر بلادنا بالكثير من التضاريس والمناطق والمدن، التي ومنذ فجر التاريخ ساهمت في تكوين الهوية العربية والإسلامية، وأصبحت جزءا منا ومن تراثنا. فنحن نسيج لكل هذا الإرث التاريخي قديمه وحديثه من هويات وثقافات نسجت عباءتها لتشكل إرثنا الحضاري. فمن شرقها إلى غربها هناك شواهد حضرية وطبيعة خلابة تستحق الزيارة والمشاهدة. ومن هذا المنطلق مع أحد الأوفياء «سرنا» في رحلتنا باختيار هذه الكلمة، التي تعبر عن مقدرات الماضي وقوافل الجمال، زرنا فيها العديد من القرى والمدن من الشرق إلى الغرب ومن بحر إلى بحر.

بدأنا رحلتنا منطلقين إلى منطقة الوشم غربا من مدينة الخبر وإلى مدينة الرياض. ثم توجهنا منها شمالا إلى مدينة حريملاء، حيث شاهدنا بها سوق الفواكه والطيور والمسجد، الذي كان يأمه الشيخ محمد بن عبدالوهاب منذ أكثر من ثلاثمائة عام. ثم توقفنا بمدينة القصب أو القصيب القديمة كما في كتب التاريخ، حيث كانت محط القوافل وملجأ الوافد. وما أسعدنا بها مشاهدة أحدهم في أزقتها ما زال يقطن تلك الأماكن، ولوحة تعكس من سكن تلك الديار ومن قيام الأهالي بترميم جانب من المباني في مدخل المدينة القديمة. ومن مدينة القصب، أخذنا الطريق غربا وإلى مدينة أشيقر عاصمة منطقة الوشم التاريخي، حيث مسقط رأس الكثير من الأسر الفاضلة. ومن أهم معالم مدينة أشيقر المسجد القديم التاريخي، الذي كان في زمنه جامعة في العلوم الشرعية تخرج فيها العديد من القضاة وعلماء منطقة نجد. ويأخذك الطريق إلى مدينة الدوادمي ومنها إلى هضبة جبلة، حيث كان بها أحد أهم المعارك التاريخية للعرب قبل الإسلام بين بني عامر وذبيان. وبها جاءت أيضا قصة العالمة الألمانية «ليلى» بعد الحرب الأولى وعن حفرها لبئر. ومن أمتع أحداث رحلتنا أن ثارت علينا بظلال إحدى أشجار الطلح بسفوح هذه الهضبة عاصفة رملية هوجاء رمت بنا وبمتاعنا بينما كنا نشرب الشاي والله ستر. ومنها توجهنا غربا بذات الطريق إلى مدينة الرس. والرس مدينة جميلة تحمل أسس الضيافة من حيث المطاعم المختلفة والنزل الجميل. ثم توجهنا منها إلى المدينة المنورة، حيث مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والروضة الشريفة.

يزور المدينة المنورة آلاف المسلمين كل عام من أقطار العالم، كما تمتلئ المدينة بمعالم وبعبق وشذى التاريخ ولها رومانسية وشاعرية جميلة. زرنا بها مسجد قباء، الذي يعد ثالث مسجد في الإسلام أقيمت به صلاة الجمعة بعد مسجد جواثا في الأحساء، وكذلك مزرعة المستظلة، التي استظل بها رسول الله حين قدومه للمدينة مهاجرا. كما صلينا بمسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزرنا موقع معركة أحد، حيث جبل الرماة ومقبرة الشهداء. وتوجهنا منها غربا إلى موقع معركة بدر، حيث شاركت الملائكة المسلمين معتركهم ونصرهم. وزرنا مسجد القبلتين، حيث حولت القبلة إلى مكة المكرمة، وأخيرا مبنى القطار القديم، الذي كان يصل المدينة المنورة بآسيا وبأوروبا.

ثم اتجهنا من المدينة المنورة شمالا، حيث مدينة خيبر وقلاعها وواديها الأخضر. وبخيبر العديد من الكتابات والرسومات الثمودية، وعلى صخورها نقشت أدعية للصحابة -رضوان الله عليهم- ورواة الحديث. ثم يأخذك الطريق شمالا إلى العلا، حيث مدائن صالح وحضارة دادان، وحيث بابل وجيوش الرومان، وحيث الكتابات العربية الأولى وموطن الأنباط، وقوم ثمود وقلعة موسى بن نصير فاتح الشمال الأفريقي وقائد جيوشها. ومنها توجهنا غربا إلى الوجه، حيث يأخذك الطريق بداية إلى مزارع شجر اليسر أو البان العربي بشاعريته، حيث غصين البان. ووقفنا على معاصر ثمره وتحدثنا مع الرواد المؤسسين لصناعته واستزراعه والأبحاث حوله. ثم أخيرا وصلنا لمدينة الوجه تلك الفتاة اليافعة، التي بثت وهجها على شاطئ البحر الأحمر، فكسيته بحليتها، حيث الميناء البحري القديم. تلك هي مشاهد بلادنا من البحر إلى البحر.. من «خبر» الخليج إلى «وجه» البحر الأحمر زخرت بالأماكن والمعالم الجميلة السياحية باركها الله سبحانه وتعالى أن منَّ عليها بنعمة الإسلام، وبنعمتي الأمن والأمان بالحل والترحال، فما مثلها بالدنيا بلد.

@SaudAlgosaibi