ترجمة: إسلام فرج

العقوبات غير كافية لردع الأسد.. وتلك مأساة يجب على واشنطن قبولها

قالت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية: إن الولايات المتحدة لا تزال تكافح لمعرفة ما يجب القيام به حيال نظام الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكدة أن واشنطن لا تعرف أهمية هذا البد.

وفي مقال منشور بالمجلة، قال «ستيفن كوك»، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية: بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس السابق دونالد ترامب في أكتوبر 2019، إنه سيسحب القوات الأمريكية من سوريا، استمعت إلى ضابطي شرطة من إدارة «أمتراك» كانا يناقشان السياسة الخارجية الأمريكية، بينما كنت أنتظر قطارًا إلى مدينة نيويورك.

وتابع بقول: أيّد الضابطان تحرك الرئيس في سوريا، واتفقا على أن ذلك الصراع على بُعد عدة آلاف من الأميال لا علاقة لهما أو للولايات المتحدة به، ولذا ينبغي إعادة القوات إلى الوطن، وإنهاء الحروب التي لا تنتهي.

وأشار «كوك» إلى أن هذه المناقشة عززت ما كان يتردد في ذهنه خلال السنوات السبع الماضية، وهو فشل مجتمع السياسة الخارجية التام في التقييم الصحيح لما كان يحدث في سوريا، وإدراك مدى تأثير ذلك على المصالح الأمريكية.

وأردف يقول: طرح ترامب على ما يبدو سؤالًا جيدًا حول سوريا، كان وثيق الصلة أيضًا بالشرق الأوسط بشكل عام، وهو لماذا نفعل ما نفعله؟

وأضاف: يبدو أنه لم يجد إجابة كافية، ومن ثم أعلن الانسحاب والذي انتهى إلى إعادة انتشار.

ومضى يقول: مع مرور 10 سنوات في غرق سوريا في الظلام، لا يزال الجدل حول ما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة حيال صراع أودى بحياة الكثيرين، وشرّد نصف السكان من ديارهم، وزعزعة استقرار هذا البلد.

وأضاف: لا أحد تقريبًا يريد القيام بمزيد من الجهود مع سوريا، مما يترك صانعي السياسة دون خيارات جيدة ولا إجابة واضحة.

وتابع: ربما يرجع ذلك إلى عدم وجود تحليل صحيح لما هو في الواقع على المحك بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، اتبعت سياسات في المنطقة تهدف إلى 3 أهداف أساسية هي ضمان التدفق الحر لموارد الطاقة من المنطقة، وضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على القوة الأمريكية في الشرق الأوسط، بحيث لا يمكن لأي دولة أو تحالف دول أن يتحدى تلك المصالح، ويضيف المحللون: «إلى ذلك منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومكافحة الإرهاب».

الأخلاق والإستراتيجية

ومضى ستيفن كوك يقول: إن النهج الحالي الذي يتسم بعدم التدخل في الصراع السوري ربما يكون مزعجًا من الناحية الأخلاقية، ولكن هل يمكن الدفاع عنه إستراتيجيا؟

وتابع: عندما اتضح أن ترامب لم يكن يسحب القوات الأمريكية تمامًا من سوريا، أعلن أنها ستبقى هناك لحماية للنفط، كان هذا ضربة موجعة على الرأس.

وأضاف: لم تكن سوريا مطلقًا مصدرًا رئيسيًا للنفط، ومع ذلك فإن الاحتياطيات الموجودة لديها استخدمها نظام الأسد والمهربون الأتراك وداعش لجني الأموال.

ولفت إلى أن الإعلان عن إبقاء الأمريكيين في مرمى الخطر من أجل حماية النفط ربما يكون مبررًا ملائمًا للتغلب على الحقيقة المحرجة المتمثلة في أنه «بينما أكد الرئيس سابقًا» على هزيمة تنظيم «داعش»، فإن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تحارب أتباع أبو بكر البغدادي بمساعدة الجنود الأمريكيين.

وأردف: كل هذا يعني أنه لا يوجد شيء حول ما حدث في سوريا طوال السنوات العشر الماضية يهدد تدفق موارد الطاقة من المنطقة بحرية.

ومضى يقول: فيما يتعلق بأمن إسرائيل، كان هناك وقت اعتقد فيه المحللون أن سوريا تشكل تهديدًا محتملًا لأمنها، تسبب الأداء الضعيف لجيش بشار الأسد خلال السنوات الماضية في إذابة هذا القلق، حيث إن التهديد الحقيقي، على الأقل من وجهة نظر إسرائيل، هو إيران، التي يبدو أنها تريد البقاء في سوريا لفترة طويلة، مما يمنح الإيرانيين القدرة على إمداد «حزب الله» بالأسلحة، بسهولة أكبر، وتهديد إسرائيل بشكل مباشر.

ولفت إلى أن الإسرائيليين شنوا حملة جوية ضارية ضد الإيرانيين ووكلائهم في كل من سوريا والعراق، موضحًا أن طهران أثبتت أنها غير قادرة على الرد بفاعلية، تاركة الأمر للخروج بنتيجة واضحة وهي أن الإسرائيليين قادرون على الاعتناء بأنفسهم في الصراع السوري.

مواطن سوري يتلقى رعاية طبية إثر إصابته بقصف النظام على ريف حلب الغربي (د ب أ)


عجز أمريكي

وتابع الكاتب كوك: أعجب قادة المنطقة باستعداد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتدخل وإنقاذ حليفه من شبه هزيمة على عكس ما اعتبروه عجزًا للولايات المتحدة عندما تعلق الأمر بالرئيس المصري السابق حسني مبارك.

وأشار إلى أن هذا أعطى دفعة للروس على حساب الولايات المتحدة، إلا أنهم الآن أصبحوا مثقلين بالأسد وصراع لا يبدو أن له نهاية في الأفق، مضيفًا: الأهم من ذلك، لا يوجد شيء في الصراع في سوريا قد أضر بالولايات المتحدة وقدرتها على الدفاع عن مصالحها.

ومضى يقول: فيما يتعلق بمنع انتشار الأسلحة النووية، قام الإسرائيليون بالمهمة الصعبة في عام 2007 عندما دمروا سرًا المنشأة النووية لنظام الأسد، ومع ذلك، لا تزال مشكلة الأسلحة الكيماوية السورية تلوح بين حين وآخر، حيث كان من المفترض أن يتخلى السوريون عنها في اتفاق توسط فيه بوتين في عام 2013، إلا أن الأسد لم يكن متعاونًا بشكل كامل.

وتابع: مع ذلك، فإن هذه قضية لا تحظى بالاهتمام المرجو، لأن المواد الكيماوية التي كان من المفترض أن يتخلى عنها الأسد كانت ستستخدم على الأرجح ضد السوريين أكثر من غيرهم، ورغم أن ترامب رد على هجوم كيماوي شنه النظام السوري ضد المدنيين بعد فترة وجيزة من تنصيبه، إلا أن ذلك لم يُحدث فارقًا في مسار الصراع.

ومضى يقول: ربما يمكن إيجاد مبررٍ للولايات المتحدة لمواصلة متابعة مهمة مكافحة التطرف في سوريا، حيث إن البلاد قد أصبحت دوامة من الميليشيات المتنافسة، بما في ذلك المتطرفون، ورغم أن بعضها بدأ ينزوي، إلا أنها مع ذلك لا تزال باقية.

العلاقة بـ«الأكراد»

ويقول الكاتب ستيفن كوك في مقاله: تحافظ الولايات المتحدة على علاقتها بوحدات حماية الشعب الكردية رغم اعتراض أنقرة حليفة الناتو، التي تُصر على أن الجماعة لا تختلف عن حزب العمال الكردستاني الذي يشن حربًا على الأتراك والمصالح التركية.

ونوّه الكاتب إلى أن هذه هي طبيعة الصراع في سوريا، مضيفًا: على الرغم من غضبهم من الولايات المتحدة، ينسق المسؤولون الأتراك مع المنتسبين لتنظيم «القاعدة» لتعزيز أجندتهم المعادية للأكراد، ونظرًا لطبيعة الصراع السوري والعدد الكبير من المتطرفين الذين ينجذبون إلى الصراع، فمن البديهي أن يظل صانعو السياسات متيقظين إزاء أي تهديد يبرز هناك.

وأوضح الكاتب أن مأساة سوريا تتفاقم بالنسبة للرئيس جو بايدن، خاصة في ظل التزامه العلني بوضع القيم في مقدمة سياسته الخارجية.

وتابع: على الرغم من كل القسوة التي مارسها النظام السوري على شعبه، فمن المرجّح أن يتوصل بايدن إلى نفس النتيجة التي توصل إليها ضابطا الشرطة اللذان سمعتهما من قبل، إذا أصبحت المصالح الأمريكية على المحك فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تقوم بما هو أكثر بكثير من مجرد فرض عقوبات، وضرب الإرهابيين، والاحتجاج على تجاوزات الأسد العديدة ضد شعبه على أمل أن يتغير شيء ما ليضع نهاية لكابوس سوريا.

واختتم بقوله: إن الحجة الواضحة للتقاعس عن العمل في سوريا تفوق الحجة الواضحة للعمل، لكن هذا أمر مشكوك فيه أخلاقيا بالطبع، وهذه هي مأساة سوريا التي يجب على الولايات المتحدة قبولها في النهاية.