د. محمد حامد الغامدي

n من قريتي (الطلقية) بمحافظة بلجرشي بمنطقة الباحة، قررت زيارة مدينة القنفذة، وتبعد بحوالي (100) كيلو متر. تابعة لإمارة مكة المكرمة على شاطئ البحر الأحمر. استعددت لهذه الرحلة نفسيا، وهو الأهم. هيأت سيارتي ذات الدفع الرباعي، وتحركت من القرية الساعة العاشرة صباحا. وصلت بلجرشي القريبة، وتوقفت أمام محل لبيع السندويشات، على الطريق العام إلى أبها، وطلبت خمس حبات طعمية بدون خبز.

n تعجب صاحب الطعمية لطلبي، وقدمها كهدية، ربما تعاطفا مع هيئتي الممشوقة بشعر أبيض يشير لكبر عمري. بدليل أنه قال هذه هدية يا عم. لا يعرف أنني بروح وطموح وتطلعات شاب لم يبلغ العشرين، بدون المآخذ الأخرى.

n بداية رفضت عرضه، وتحت ضغط كرمه قبلت. لكن وعدت نفسي على زيارته مرة أخرى لشراء مجموعة سندويشات طعمية ردا للجميل، وتقديمها هدية للأصحاب، الذين ما زلوا شرهين لجميع أنواع الأكل، دون خوف من العواقب الصحية. طبعا كنت لابس الكمامة مع محاذير صحية لا حدود لها.

n شرحت أن الخبز الأبيض الذي يلف الطعمية، بعد دك كراتها على سطحه ونشرها مع ما تيسر من مكونات، لرفع شهية أكلها، يزيد من نسبة السكر الذي أحمل. وجدت أن محور قائمة الطعام في المحل لا تخرج عن الطعمية، ولكن تتعدد أنواع السندويشات بتعدد الخلطة المرافقة لهذه الطعمية اللذيذة.

n بعد استلام الكيس الورقي الأبيض الصغير، الذي يحمل الطعمية، توقفت بجانب صومعة بيع القهوة على الشارع العام إلى أبها. طلبت كأسا من القهوة السمراء الساخنة بدون سكر. ثم تحركت وقد شغلت جهاز الملاحة بالسيارة. كتبت القنفذة، ثم واصلت الضغط على أيقونات التعليمات الرقمية، فأصبح شخصي مع السيارة تحت إمرة توجيهات معلومات الخريطة الرقمية، وبصوت رقمي عربي واضح يوجه نحو الهدف.

n وصلت رأس (عقبة حزنة). ترتفع عن مستوى البحر الأحمر، حيث تقع القنفذة، بأكثر من ألفي متر. استقبلتني القرود الجميلة بصغارها وذكورها وإناثها. كأنها كانت تنتظر هدية. بالتأكيد تطلب الغذاء الذي لم يخطر ببالي. بحثت عن شيء أقدمه لها، بعد التهامي كامل حبات الطعمية، فوجدت علبة بسكوت، كانت في السيارة، رميت بها في ساحة تجمعها، فهجمت على هديتي، ثم تحركت بعيدا عنها مواصلا السير.

n في رأس العقبة المطلة على أودية تهامة، تشهدت وكررت الشهادة. وكنت مربوطا بحزام السلامة بكرسي القيادة، وتأكدت من ذلك مرارا. كنت وحيدا داخل السيارة في حفظ الله. فأطلقت لنفسي العنان بالاستمتاع بمكونات الطبيعة في هذه العقبة المكسوة بالصخور المتنافرة، في وضع أشبه بوضع القرود في أعلاها، وتحمل أيضا ألوان جلدها، لكنها لا تتحرك. كأن الصخور تنتظر التحرك، ولا أعرف التوقيت. وقبل الوصول لبداية العقبة وجدت الإشارة خضراء تقول: العقبة مفتوحة. وهي رسالة لزرع القلق المشروع من خطورتها. وذلك لتحفيز الحرص والسلامة وتعزيزها.

n كعادتي عبر سنين عمري، ولكثرة ترددي بين الأحساء والدمام لأكثر من ثلاثة عقود، بدأت بالاستعداد لسماع كل أصناف وألوان الغناء، التي أحمل في داخل الجوال. منها الأغاني السودانية، واليمنية، وهناك الأغاني المصرية، والأردنية، والمغربية، والجزائرية، والعراقية، والخليجية، أيضا الأغاني الغربية، والهندية والصينية، يتوجها خليط من الأغاني السعودية على رأسها طاهر الأحسائي.

n كان على رأس هذه التوليفة الفنية من تلك الأغاني، صوت زير العرضة، حيث النقر على سطحه يقفز بك إلى رؤوس الجبال التي حولك، لتزيد من مهابتها في النفس. كررت الشهادة بصوت مرتفع وصليت على النبي. ثم أطفأت الأغاني، وتركت الأمر لأغاني طبيعة العقبة، لتحتل المكان بصمتها، وهيبة تكوينها، فطربت لهذه البيئة، وزاد صمتها من تفاعلي، فتحولت إلى ما يشبه الكتاب، للمزيد من القراءة والتحليل والاستنتاج. ويستمر المقال بعنوان آخر.

DrAlghamdiMH