ماجد عبدالله السحيمي

كان شُغل الأخبار بل والعالم الشاغل الأسبوع المنصرم هو جنوح السفينة العملاقة (إيفر جيفين) من مسارها المستقيم لتميل قليلا، نعم قليلا ليكون كافيا ذلك الميل لإغلاق قناة السويس تماما وبشكل كامل مما أدى إلى قطع كامل وتوقف المرور منها وإليها بين أجزاء العالم، 6 أيام كانت كل ساعة منها تكلف 400 مليون دولار تحترق، (دولار ينطح دولار آخر)، أسواق النفط ترتفع وتشتعل أسعارها نظرا لتوقف النقل، وبالتالي قلة العرض وارتفاع الطلب، وكذلك الكثير من البضائع المتأخرة، التي أثرت على سلاسل الإمداد لمئات الملايين من المستفيدين حول العالم، ناهيك عن بلاوي التأمين، كل ذلك كان فقط جراء جنوح بسيط حتى الآن لم يعرف سببه. قيل إنه من سرعة الرياح وقيل إنه من (غشامة) الكابتن وقيل إنه نقص في الحمولة. مهما كانت الأسباب فإن ميلانا بسيطا في سفينة طولها 400 متر وحمولتها أكثر من 20 ألف حاوية تزن ربع مليون طن، كل ذلك جعل البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط عبارة عن (Parking) للسفن تنتظر يوما بعد يوم فيه ومتى تزول تلك العقبة، حتى إنني فكرت بمشروع سينما في البحر و(نفيش) للكباتنة والملاحين والطواقم حتى يتسلوا أثناء إنلطاعهم في البحر. وأنا أكتب كلمات هذا المقال تصل أنباء عن نجاح تعويمها وتحريكها بعد عدة محاولات في عدة مراحل، ولكن الموضوع كله لم ينفرج، فالسفن التي إنلطعت الستة أيام الماضية تحتاج خطة جديدة لتفويجها، كما أن السفن التي كانت تنوي العبور من القناة لن تستطيع حاليا بسبب أن السفن العالقة لم تتحرك بعد، وقد تضطر إلى مضاعفة المسافة أكثر من 3 مرات إذا قررت أن (تديور) من خلف أفريقيا من ميناء رأس الرجاء الصالح، الآن سأضع نقطة لأبدأ سطرا جديدا.

كل ما ذكرت أعلاه هو حادث استثنائي شخصيا أول مرة أسمعه في حياتي، ولكن المصيبة أن مثل هذا الجنوح القليل عن المسار يحدث كثيراً في حياتنا، فكم من زوج جنح عن مسار زوجته ونكد عليها حياتها وعيشتها لا فارقها ولا أصلح حاله معها، بل جعل قناة الحياة مغلقة كما فعلت السفينة، كم من زوجة جنحت على قدرات زوجها، فأهكلت ميزانيته بتقليد فلانة والسفر مثل فلانة والقروض لتصبح في مستوى فلانة، كم من الجنوح عند البعض من شدة التشاؤم والنظرة للحياة بسوداوية حتى قتل كل فرصة جميلة سهلة للاستمتاع بالحياة وتناسى قول رب العالمين: (وما ظنكم برب العالمين)، كم من أبناء جنحوا عن حق والديهم بعقوقهم وعدم مراعاتهم واللهو بتفاصيل الحياة عن أعظم البشر لدينا، وأخيرا إن كان جنوح السفينة سبب كل هذه الكوارث في ستة أيام، فما بال مَنْ جنحوا طول حياتهم أو نصفها أو حتى ربعها، وكم يا ترى كانت تكلفة خسائر ذلك الجنوح؟ وحتى ألقاكم الأسبوع المقبل أودعكم قائلا: (النيّات الطيبة لا تخسر أبداً) في أمان الله.

Twitter:@Majid_alsuhaimi