د. لمياء عبدالمحسن البراهيم

«التواجد أهم من الإنتاجية» فرضها واقع إداري في المنظمات، التي تركز في قياس الأداء على متابعة الموظف بالحضور والانصراف المادي، وقربه من المسؤول وصاحب القرار، بغض النظر عن الاستفادة منه في موقعه الوظيفي بمهام تتناسب مع جدارته ومهاراته المهنية لتطويره وتحسين الأداء العام.

اهتمت الدول بالحوكمة لتقنين الفساد وتعزيز الإنتاجية والتقليل من هدر مواردها، وعليه تطورت التشريعات للمواءمة مع حوكمة الأداء، من ذلك تمكين القيادات الوظيفية نحو تنمية مستدامة لتحقيق الرؤية الوطنية 2030، ترتبط بالتخطيط الإستراتيجي مهما تغير المسؤول، فيكون ولاء الموظف للمنظومة وليس الأشخاص، ويضيق على أوجه الفساد الإداري والمالي من واسطة ومحسوبية ورشوة واستغلال النفوذ، وذلك تحقيقا لمصلحة العباد والبلاد.

وضح الله تعالى منهج التمكين منذ أكثر من 1400 سنة محددا فيه معايير الكفاءة في الاختيار والاستئجار بقوله: «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ»، فالقوة تقاس بالجدارة والمهارة والقدرة على اتخاذ وتحمل مسؤولية القرار، مع الأمانة والنزاهة لتغليب المصلحة العامة الوطنية على المصالح الفردية.

في السعودية، خصصت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامجاً لتمكين القيادات الوطنية وتمكين المرأة، وتبنى معهد الإدارة العامة برنامجا وطنيا لإعداد وتطوير القيادات الإدارية، مع ذلك لم أعرف بهذه البرامج إلا من بحثي في الشبكة المعلوماتية والتواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية لدعم كتابة المقال.

هناك تحديات أكبر من قلة البرامج المدعومة والموجهة لتمكين القيادات يدل على ذلك القصور في تمكين المتخصصين والخبراء في نفس المنظومة قيادياً.

والتذرع بضعف جاذبية البرامج المتخصصة لسوق العمل مع وفرة الخريجين والمؤهلين في الإدارة يحبط الموظف المجتهد والمؤهل، ويبرر استخدام مصطلح Overqualified المعيق للتنافسية والتطور الوظيفي، والاستثمار في رأس المال البشري، الذي يعكس خوف المسؤول على مكانته عندما يمكّن الأكفاء؛ لأنه يراهم منافسين لموقعه الوظيفي، وهذا خوف غريزي متوارث، وسيستمر، فحتى الكفء هناك مَنْ أكفأ منه.

التمكين بحاجة لتغيير ملموس في النظم الإدارية التقليدية، التي ترسخ من نظرية الرجل العظيم الإدارية المبنية على المركزية، وارتباط كيان المنظومة مؤسسيا به وانهيارها من بعده، ما لم تبن على أسس قوية يدعمها التخطيط والتنفيذ بالمتابعة والإشراف والتقويم وبما يتوافق مع مبادئ الحوكمة، مع منح وتوزيع الصلاحيات للقوي الأمين، وتقنين الاجتهادات غير المبنية على أطر منهجية تعالج المخاطر، وتقلل من الأخطاء الإدارية والهدر في الموارد.

لمسنا ذلك قياديا بديناميكية متسارعة يدعمها رأس الهرم الملك سلمان الحزم، وأمير العزم محمد -حفظهما الله-، وبقرارات مبنية على المتابعة وتعزيز التطوير والإصلاحات بالتشريعات، ومنح الصلاحيات سعيا للتمكين ومحاربة الفساد، ومن ذلك تمكين المرأة القيادية وتذليل عوائق التمكين.

وبين التشريع والتنفيذ لا تزال هناك ضبابية تتمثل في:

• تحديد جدارات ومهارات الموظفين، التي تؤهلهم للتنافسية في القيادة.

• تقدير الكفاءات الوظيفية في داخل المنظومة للاستفادة منها وخبرتها المهنية وإعدادها للقيادة.

• برامج إعداد الصف الثاني من القيادات بمعايير واضحة ومقارنة، وتؤكد تساوي الفرص والاستحقاقية في التأهيل.

• توضيح معايير الاستقطاب الوظيفي والشفافية في عرض السيرة الذاتية للمستقطب، والمهام التي تبرر الاستعانة بعناصر من خارج المؤسسة والميزات الوظيفية والمالية، التي تقدم لهم.

• تقنين التفاوت في ميزات العقود المهنية بنفس المنظومة.

• تمكين المرأة القيادية وقياديات الصف الثاني.

تمكين القيادات يتطلب تهيئة البيئة التنظيمية التنفيذية لمواءمة الجدارات والمهارات مع المتطلبات والفرص الوظيفية بشفافية من أجل الوصول للكفاءة والفعالية الوظيفية، واستثمار رأس المال البشري وفق أطر عادلة، وهذا المأمول لو تم تنفيذه من تمكين الكفاءات القيادية في مجالات التمكين نفسه، وتطبيق مفاهيم الجودة عمليا بدون تنظير.

DrLalibrahim@