مصطلح الاستشراف في أصله اللغوي والعلمي هو التطلع للمستقبل واستشرافه والاستبصار به من موقع مشرف مرتفع مطل لسبر غور المستقبل، وبناء التوقعات والاستراتيجيات المستقبلية، لكن هذا المعنى الحضاري الجميل استخدمته تيارات الشارع المتطرفة -التي ترى في الانحلال قيمة وحرية- أبشع استخدام، إذ غدت عبارة (لا تستشرف) عبارة ترهيب ذهني ونفسي تستخدمها قوى التطرف والانحلال لاستلاب إنسانيتنا بما يحول دون العودة إلى فطرتنا السوية التي فطر الله الناس عليها، حتى غدا دعاة الفضيلة يخشون تهمة الوصم بالمستشرف، ويفضلون ترك نقد الرذيلة وتجنب ممارسة الفضيلة علانية حتى لا تتم إدانتهم من قبل أصحاب تلك التيارات المتطرفة التي ترى أن من يجاهر باقتراف الآثام والرذائل أفضل من الذي يظهر الفضيلة.
إذ يرى هؤلاء أن من يظهر الفضيلة منافق يخفي الرذيلة وبناء عليه ينفون تهمة النفاق عن المجاهرين بالرذائل، ويثبتونها في حق من يجاهر بالفضيلة، ويستطيعون بذلك إلجام وتكميم أفواه الفضلاء عبر تصنيفهم «جماعة استشرافية» في منطق مريض يفترض السوء بأهل الفضل ويمنح المجاهرين بالرذيلة والمعاصي تزكية بالنقاء وعدم النفاق، منطق يزعم أننا إما أن نكون ملائكة لا تقترف أية خطيئة، أو شياطين لا يردعها حياء، وهو مفهوم شاذ ممجوج ممزوج بالغباء، يخالف أمر الله تعالى، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطبيعة البشر التي تختلف عن الملائكة والشياطين.
ولا نأتي بأمر مستحدث إن أشرنا إلى أن تصويب الخطأ وممارسة الفضيلة واجب ديني وإنساني وأخلاقي ووطني وليس نوعا من الاستشراف وفق المفهوم الشوارعي.
فالبشر يخطئون ثم يتوبون وبهذا كرمنا الله أن منحنا قرار ارتكاب المعصية واختيار طريق التوبة والتطهر من المعاصي، وحرم علينا المجاهرة بها لتبقى القدوة قائمة في المجتمع، ولتظل فرصة الرجوع والتوبة سهلة لا ترصدها إلا عين الله ورحماته، ولا تثقلها أعين الناس وتسلطهم ونقدهم، وحتى لا تشيع الرذائل ويصيبنا العجز في نقدها والمطالبة بمعالجتها، بخلاف منطق هؤلاء المتطرفين الذين يطلبون منا أن نكون إما ملائكة أو شياطين لننجو من تهمة النفاق والاستشراف التي يطلقونها للتخلص من الفضيلة التي تزعجهم وتزعج تيارهم المتجرد من الفضائل، رافضين الحالة الإنسانية التي جبل الناس عليها في خطأ تتبعه توبة وتطهر من ذلك الخطأ.
ومن مناهج أتباع تلك التيارات أيضا أنهم يقارنون علماء الشريعة الإسلامية بعلماء الفيزياء والكيمياء من مخترعي العلاجات واللقاحات ثم يختمون مقارنتهم بسؤال: ماذا قدم العلماء المسلمون للإنسانية؟!، مع أن المقارنة بين مختلفين جهل، فلماذا لا يقارنون عالم الشريعة المسلم المتواضع الزاهد برجال الدين في الأديان المناظرة من ذوي الثياب الحريرية المذهبة، والصولجانات الذهبية، والتيجان المرصعة بالمجوهرات، ساكني القصور ذات الجدران والقباب الفخمة لتستقيم المقارنة.
لذا يجب أن نكون واعين ولا نسمح للتيارات المنحلة أن تتحكم بنا وبتوجهاتنا وبعقولنا أو أن تقتادنا إلى ساحة الرذيلة كخيار حتمي لا مناص منه عبر إطلاق عبارات ومقارنات مضللة غير علمية.
إن صمت المفكرين والمثقفين مكن تلك التيارات المتطرفة من إرباك إنسانيتنا بأدبياتها التي تشوه الفضيلة والحياء بزخرف القول، وتصد عن ذكر الله وإظهار الفضيلة وتغييب القدوة عن المشهد، وتصديا لهذا التشويه أقول أنا بشر ويجب أن أستشرف وبكل قوة للمحافظة على نقائي وتجديد إنسانيتي، وأقول ما قاله الشاعر العباسي أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
@falkhereiji
إذ يرى هؤلاء أن من يظهر الفضيلة منافق يخفي الرذيلة وبناء عليه ينفون تهمة النفاق عن المجاهرين بالرذائل، ويثبتونها في حق من يجاهر بالفضيلة، ويستطيعون بذلك إلجام وتكميم أفواه الفضلاء عبر تصنيفهم «جماعة استشرافية» في منطق مريض يفترض السوء بأهل الفضل ويمنح المجاهرين بالرذيلة والمعاصي تزكية بالنقاء وعدم النفاق، منطق يزعم أننا إما أن نكون ملائكة لا تقترف أية خطيئة، أو شياطين لا يردعها حياء، وهو مفهوم شاذ ممجوج ممزوج بالغباء، يخالف أمر الله تعالى، وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وطبيعة البشر التي تختلف عن الملائكة والشياطين.
ولا نأتي بأمر مستحدث إن أشرنا إلى أن تصويب الخطأ وممارسة الفضيلة واجب ديني وإنساني وأخلاقي ووطني وليس نوعا من الاستشراف وفق المفهوم الشوارعي.
فالبشر يخطئون ثم يتوبون وبهذا كرمنا الله أن منحنا قرار ارتكاب المعصية واختيار طريق التوبة والتطهر من المعاصي، وحرم علينا المجاهرة بها لتبقى القدوة قائمة في المجتمع، ولتظل فرصة الرجوع والتوبة سهلة لا ترصدها إلا عين الله ورحماته، ولا تثقلها أعين الناس وتسلطهم ونقدهم، وحتى لا تشيع الرذائل ويصيبنا العجز في نقدها والمطالبة بمعالجتها، بخلاف منطق هؤلاء المتطرفين الذين يطلبون منا أن نكون إما ملائكة أو شياطين لننجو من تهمة النفاق والاستشراف التي يطلقونها للتخلص من الفضيلة التي تزعجهم وتزعج تيارهم المتجرد من الفضائل، رافضين الحالة الإنسانية التي جبل الناس عليها في خطأ تتبعه توبة وتطهر من ذلك الخطأ.
ومن مناهج أتباع تلك التيارات أيضا أنهم يقارنون علماء الشريعة الإسلامية بعلماء الفيزياء والكيمياء من مخترعي العلاجات واللقاحات ثم يختمون مقارنتهم بسؤال: ماذا قدم العلماء المسلمون للإنسانية؟!، مع أن المقارنة بين مختلفين جهل، فلماذا لا يقارنون عالم الشريعة المسلم المتواضع الزاهد برجال الدين في الأديان المناظرة من ذوي الثياب الحريرية المذهبة، والصولجانات الذهبية، والتيجان المرصعة بالمجوهرات، ساكني القصور ذات الجدران والقباب الفخمة لتستقيم المقارنة.
لذا يجب أن نكون واعين ولا نسمح للتيارات المنحلة أن تتحكم بنا وبتوجهاتنا وبعقولنا أو أن تقتادنا إلى ساحة الرذيلة كخيار حتمي لا مناص منه عبر إطلاق عبارات ومقارنات مضللة غير علمية.
إن صمت المفكرين والمثقفين مكن تلك التيارات المتطرفة من إرباك إنسانيتنا بأدبياتها التي تشوه الفضيلة والحياء بزخرف القول، وتصد عن ذكر الله وإظهار الفضيلة وتغييب القدوة عن المشهد، وتصديا لهذا التشويه أقول أنا بشر ويجب أن أستشرف وبكل قوة للمحافظة على نقائي وتجديد إنسانيتي، وأقول ما قاله الشاعر العباسي أبو تمام:
يعيش المرء ما استحيى بخير * ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير * ولا الدنيا إذا ذهب الحياء.
@falkhereiji