في طريق متعرج وضيق، عبر منحدرات (عقبة حزنة) الحادة، وربما الأخطر في العالم. خطورتها في طبيعتها الصخرية المفلوتة. جلاميد قابلة في أي وقت للتدحرج نحو الطريق. كأنها تتربص بكل عابر. لا ندري متى تنقض متدحرجة لتضرب ضربتها القاضية والماحقة. ومع كل انعطاف يزيد الموقف رهبة وخوف من أشكال الصخور المعلقة، وكأنها وحوش تتحدى ومستعدة للانقضاض نحوك. لو كنت مسؤولا لوضعت واحدا من حلين، إما قفلها نهائيا، أو جعل طريقها نفقا خرسانيا بكامله.
أخيرا وصلت أسفل العقبة، إلى مدينة (المخواه) الشهيرة بمنطقة الباحة، فاعتراني رعب آخر، أشد قسوة من رعب النزول من (عقبة حزنة). وجدتها مدينة بكاملها مبنية في وادي بين الجبال الشامخة. تساءلت بصوت مجنون داخلي، لماذا تم بناؤها في بطن الوادي في طريق السيول وفيضاناتها؟ أي مهندس خطط؟ أي مسؤول اعتمد؟ أي أهل قبلوا على أنفسهم السكن في بطن هذا الوادي السحيق والمخيف؟
رأيت الكارثة المستقبلية أمامي، وتخيلتها، وعشت كارثتها قبل أن تقع. هل هو الجهل بخطورة السيول؟ هل هو الجهل بالبيئة؟ هل هو اختيار الحل الأسهل للبناء في مساحة الوادي المفتوحة بين الجبال؟
كل تهامة طريق سيول. وهو حق لها تاريخي حتى في غيابها. هل ستعود يوما لتقول كلمتها؟ تعجبت عندما شاهدت سفوح الجبال حول المدينة وكأنها تهمس في أذني: تركوني وذهبوا لطريق السيول التاريخية.
واصلت المسيرة في خط يخترق وادي تهامة. سهول منبسطة تتلقف السيول القادمة من سفوح جبال السراة. تتخللها نتوءات من الجبال والمرتفعات. وترى الحس البيئي الحذر عند أهلها المؤسسين. رأيت البيوت الصخرية التراثية المهدمة تعتلي قمم المرتفعات وسط الوادي وعلى جنباته. كأن هناك اتفاقا بين السيول وأهل هذه الأماكن عبر التاريخ، بضرورة عدم التعدي على طريق السيل، وكل سطح أرض سهول تهامة طريق لهذه السيول وحرم لها.
على جنبات الطريق بقايا معالم التعايش بين السيل وأهل تهامة عبر تاريخها. مشاهد تراثية مائية وزراعية قائمة، شاهدة ومحذرة ومنذرة من عواقب تجاوزات طيش الرغبة الجامح في تجاوز محاذيرها. فالسيول القادمة من سفوح جبال السراة، وعبر تاريخها، لم تشكل خطرا على الناس، ولكنها كانت نعمة عظيمة، شاهدة على قدرتهم على التعايش مع هذه السيول الهادرة، وبمهارات علمية، بقايا مشاهدها حاضرة، تؤكد أن أهل تهامة أسسوا علم إدارة السيول وانتفعوا به عبر القرون.
وجدت مهارة إدارة السيول تقدم نفسها لمَنْ أراد أن يلاحظ معالم ومشاهد ومؤشرات التعايش السلمي بين هذه السيول وبين أهالي تهامة. إلى أن جاء جيل الجهل بالبيئة فشوّه كل شيء. رسم بخرائطه العمياء، وطموحاته الطمّاعة كل مؤشرات العبث الخطير في هذه الأودية، وذلك في ظل غياب السيل، وقد يأتي يوم ليسترد حقوقه كاملة.
كل المؤشرات، التي رصدتها تقول: لا بد يوما أن تضرب السيول الهادرة ضربتها، عقابا للتعدي على مساراتها التاريخية نحو البحر الأحمر، حيث تقع وجهة سفري (مدينة القنفذة)، على شاطئ هذا البحر العظيم.
خرجت من دائرة حسابات البيئة والسيول في (المخواة)، عبر فضاء يجسد عظمة سهول تهامة المفتوحة بين صفحات الجبال، رأيتها أشبه بالكتب المفتوحة، التي لا تنغلق أغلفتها أبدا. وكأنها مكتبة مفتوحة على الدوام لكل مَنْ أراد القراءة والتزود بخبرات هذه القراءة للبيئة.
ماذا يجري في هذه الأودية التهامية؟ كيف تم العبث بها؟ ولماذا؟ كل شيء يجري على سطح هذه السهول العظيمة أقرب إلى العبث، الذي يصعب علاجه إلا بالكي والبتر النهائي. ما جرى ويجري في هذه الأودية الإستراتيجية مؤشر على جهلنا بأهميتها ودورها كسلة خبز الأجيال القادمة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
mgh7m@yahoo.com
أخيرا وصلت أسفل العقبة، إلى مدينة (المخواه) الشهيرة بمنطقة الباحة، فاعتراني رعب آخر، أشد قسوة من رعب النزول من (عقبة حزنة). وجدتها مدينة بكاملها مبنية في وادي بين الجبال الشامخة. تساءلت بصوت مجنون داخلي، لماذا تم بناؤها في بطن الوادي في طريق السيول وفيضاناتها؟ أي مهندس خطط؟ أي مسؤول اعتمد؟ أي أهل قبلوا على أنفسهم السكن في بطن هذا الوادي السحيق والمخيف؟
رأيت الكارثة المستقبلية أمامي، وتخيلتها، وعشت كارثتها قبل أن تقع. هل هو الجهل بخطورة السيول؟ هل هو الجهل بالبيئة؟ هل هو اختيار الحل الأسهل للبناء في مساحة الوادي المفتوحة بين الجبال؟
كل تهامة طريق سيول. وهو حق لها تاريخي حتى في غيابها. هل ستعود يوما لتقول كلمتها؟ تعجبت عندما شاهدت سفوح الجبال حول المدينة وكأنها تهمس في أذني: تركوني وذهبوا لطريق السيول التاريخية.
واصلت المسيرة في خط يخترق وادي تهامة. سهول منبسطة تتلقف السيول القادمة من سفوح جبال السراة. تتخللها نتوءات من الجبال والمرتفعات. وترى الحس البيئي الحذر عند أهلها المؤسسين. رأيت البيوت الصخرية التراثية المهدمة تعتلي قمم المرتفعات وسط الوادي وعلى جنباته. كأن هناك اتفاقا بين السيول وأهل هذه الأماكن عبر التاريخ، بضرورة عدم التعدي على طريق السيل، وكل سطح أرض سهول تهامة طريق لهذه السيول وحرم لها.
على جنبات الطريق بقايا معالم التعايش بين السيل وأهل تهامة عبر تاريخها. مشاهد تراثية مائية وزراعية قائمة، شاهدة ومحذرة ومنذرة من عواقب تجاوزات طيش الرغبة الجامح في تجاوز محاذيرها. فالسيول القادمة من سفوح جبال السراة، وعبر تاريخها، لم تشكل خطرا على الناس، ولكنها كانت نعمة عظيمة، شاهدة على قدرتهم على التعايش مع هذه السيول الهادرة، وبمهارات علمية، بقايا مشاهدها حاضرة، تؤكد أن أهل تهامة أسسوا علم إدارة السيول وانتفعوا به عبر القرون.
وجدت مهارة إدارة السيول تقدم نفسها لمَنْ أراد أن يلاحظ معالم ومشاهد ومؤشرات التعايش السلمي بين هذه السيول وبين أهالي تهامة. إلى أن جاء جيل الجهل بالبيئة فشوّه كل شيء. رسم بخرائطه العمياء، وطموحاته الطمّاعة كل مؤشرات العبث الخطير في هذه الأودية، وذلك في ظل غياب السيل، وقد يأتي يوم ليسترد حقوقه كاملة.
كل المؤشرات، التي رصدتها تقول: لا بد يوما أن تضرب السيول الهادرة ضربتها، عقابا للتعدي على مساراتها التاريخية نحو البحر الأحمر، حيث تقع وجهة سفري (مدينة القنفذة)، على شاطئ هذا البحر العظيم.
خرجت من دائرة حسابات البيئة والسيول في (المخواة)، عبر فضاء يجسد عظمة سهول تهامة المفتوحة بين صفحات الجبال، رأيتها أشبه بالكتب المفتوحة، التي لا تنغلق أغلفتها أبدا. وكأنها مكتبة مفتوحة على الدوام لكل مَنْ أراد القراءة والتزود بخبرات هذه القراءة للبيئة.
ماذا يجري في هذه الأودية التهامية؟ كيف تم العبث بها؟ ولماذا؟ كل شيء يجري على سطح هذه السهول العظيمة أقرب إلى العبث، الذي يصعب علاجه إلا بالكي والبتر النهائي. ما جرى ويجري في هذه الأودية الإستراتيجية مؤشر على جهلنا بأهميتها ودورها كسلة خبز الأجيال القادمة. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
mgh7m@yahoo.com