اليوم - الوكالات

تحديات تكشف الحاجة لتفكيك العقد الأمنية المتداخلة مع المطامع الخارجية

مؤشرات واعدة تبدو في «الديناميات» المحلية والخارجية التي أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة عبدالحميد الدبيبة، وتبعث على تفاؤل بأن طائر الفينيق الليبي ينبعث من رماد الحرب الأهلية، لكن الطريق ليس مفروشا بالحرير والورد.

منذ توليه رئاسة الحكومة الانتقالية في ليبيا يسير عبدالحميد الدبيبة وفريقه الحكومي حثيثا في اتجاه وضع أسس لمشهد جديد في بلاده بهدف إخراجها من نفق الحرب الأهلية والأزمة السياسية التي تعصف بها منذ عقد من الزمن.

وتقول مؤسسة «دوتشيه فيليه» الرسمية الألمانية: مراقبون كثيرون فاجأهم اختيار الدبيبة لرئاسة الحكومة في ختام محادثات جنيف التي جرت في بداية فبراير الماضي برعاية الأمم المتحدة، وكيف تفوق على أقطاب المشهد الليبي، وها هو اليوم يسير بخطى حثيثة لتغيير موازين عديدة في تضاريس الأوضاع في ليبيا بشكل قد يفاجئ من جديد المتتبعين، ويضع بلاده على سكة الخروج من نفق الأزمة، فهل يحقق المعجزة وينبعث طائر الفينيق الليبي من جديد؟.

نفوذ مصراتة

عبدالحميد الدبيبة الذي نشأ في مدينة مصراتة ودرس التخطيط وهندسة البناء في كندا ثم الولايات المتحدة، جاء من عالم المال والأعمال، معتمدا على نفوذ مدينته مصراتة في المشهد الليبي بعد الثورة التي أطاحت بنظام العقيد الراحل عمر القذافي.

انتزع الدبيبة رئاسة الحكومة من ابني مدينته، الرجل القوي في الغرب وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا وأحمد معيتيق الذي ناور في اللحظات الأخيرة مع رجل الشرق القوي الجنرال خليفة حفتر، كما تمكن من إزاحة المخضرم عقيلة صالح رئيس مجلس النواب (الشرق).

أعطى صعود الدبيبة ضمن توليفة ضمت معه القادم من طبرق (الشرق) محمد يونس المنفي كرئيس لمجلس الرئاسة.

بيد أن المراقبين ينظرون بحذر لحقيقة التراجع الملحوظ للطرفين، فالجنرال حفتر الذي أعلن دعمه للعملية السياسية والسلمية في البلاد، يتفادى الحديث عن مخرجاتها بالنسبة إلى مستقبله الشخصي، فيما يشهد معسكره الداخلي ببنغازي تصفيات غامضة راح ضحيتها مساعده العسكري محمود الورفلي المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية.

أما «الإخوان» في الغرب، فهم يحتفظون فيما يبدو بأوراقهم للجولات المقبلة وأهمها الانتخابات العامة التي تشهدها البلاد في 24 من ديسمبر 2021، كما يسود الصمت على مصير الميليشيات الداعمة لهم سواء في طرابلس أو مصراتة.

وفور توليه رئاسة الحكومة، لفت الدبيبة أنظار مواطنيه بجولاته غربا وشرقا وجنوبا، في دور الإطفائي لنار الفتنة الجهوية وحروب المناطق التي عصفت بالبلاد لسنوات، وهو يواصل ذلك عبر إعلانه مؤخرا عن تأسيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية، كما وضع في صدارة أجندة حكومته مواجهة أزمة كورونا، التي تنهش الجسد الليبي المثخن بالحرب.

حضور نسائي

وتلفت «دوتشيه فيليه»، إلى أن ملامح المشهد الليبي الجديد تعبر عنه أيضا وجوه بارزة في تشكيلة حكومة الدبيبة، عبر حضور لافت للنساء في أربع وزارات إستراتيجية وحساسة، العدل والشؤون الاجتماعية والثقافة والتنمية المعرفية، إضافة لوزارة الخارجية التي تولتها امرأة لأول مرة في تاريخ البلاد، هي د. نجلاء محمد المنقوش.

وحضور النساء في الحكومة الجديدة هو مؤشر على تنامي دورهن في بلد تسود فيه الثقافة التقليدية حول دور المرأة ولا يتجاوز حضورها في المجالس والمؤسسات السياسية 12 %.

والمنقوش خريجة جامعتي قاريونس ببنغازي وفرجينيا الأمريكية ومتخصصة في القانون وتسوية النزاعات، تقود الدبلوماسية الليبية بأسلوب يتسم بالمبادرة والجرأة، بدأته بالتركيز على الجوار الأوروبي والمغاربي، وشددت على معاملة الدول الأخرى بالمثل في قضايا تأشيرات السفر والتوازن في التعاون والتبادل، وطالبت بسحب فوري للقوات الأجنبية والمرتزقة من الأراضي الليبية.

ومَنْ يتابع تطورات الوضع في ليبيا، يرصد الديناميكية الملحوظة التي تشهدها علاقات طرابلس بعواصم العالم.

فمنذ تشكيل الحكومة الجديدة لا يكاد يمر يوم دون أن تستقبل طرابلس وفودا رفيعة المستوى بين رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية، وأحدث زوار طرابلس هو رئيس وزراء إيطاليا الجارة الشمالية النافذة في الشأن الليبي.

ومن أهم المكتسبات الدبلوماسية التي حققتها حكومة الدبيبة ووزيرة خارجيته المنقوش، إعادة الدول الأوروبية الكبرى المؤثرة في الشأن الليبي: إيطاليا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة للاتحاد الأوروبي، فتح سفاراتها التي أغلقت قبل ستة أعوام بسبب المخاطر الأمنية.

وخلال زيارته إلى طرابلس برفقة زميليه الفرنسي والإيطالي، قال وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس: «إن التطور في ليبيا يعد أحد النقاط القليلة المضيئة على مستوى السياسة الخارجية في العام الأخير، لأوروبا مصلحة كبرى في تحقيق السلام في ليبيا، إذا عملنا بشكل موحد، سيمكننا فعل الكثير».

دعم دولي

وتحظى حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا بدعم إدارة الرئيس جو بايدن والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، في مقدمتها تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بمغادرة المرتزقة والقوات الأجنبية.

وتوضح المؤسسة الألمانية، أن مهمة انتقال ليبيا من مرحلة الحرب إلى السلم وإعادة بناء المؤسسات السياسية والدستورية تمهيدا لإعادة إعمار البلاد، التي تسعى حكومة عبدالحميد الدبيبة لإنجازها في حيز زمني وجيز (حتى نهاية العام الحالي) لا تبدو مفروشة بالورود، إذ تواجه الحكومة الليبية تحديات جمة تكشف إلى أي حد تعتمد على الدعم الخارجي في تفكيك العقد الأمنية المتداخلة مع المطامع والمصالح للقوى المتنافسة على النفوذ في البلد.

وفي مقدمة التحديات، تلبية انتظارات الليبيين العاجلة في حل مشاكل خدمات الكهرباء والوضع الصحي وتحسين مستوى المعيشة. وعلى الصعيد السياسي توفير مناخ مصالحة وطنية وتسوية ملفات حقوق الإنسان، ووضع إطار دستوري وقانوني متوافق عليه للانتخابات المقبلة، التي تعهد المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة يان كوبيش، بمساعدة ليبيا على تحقيقها في الآجال التي وضعت في محادثات جنيف.

أما التحديات الأمنية، فيتصدرها تأمين مصادر الطاقة وتأمين السواحل الليبية مترامية الأطراف، وهي تأتي في صلب الدعم الأوروبي كما قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال خلال زيارته إلى طرابلس، بدءا بقضايا الهجرة التي تؤرق دول الجوار الشمالي، ووصولا إلى ملف إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة الشائك.

ووضعت الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي تقديرات للقوات الأجنبية والمرتزقة الموجودة في ليبيا بحوالي عشرين ألف عنصر.