انتقلت بين نقاط كثيرة من القرى والبلدات التراثية، تنتشر في هذه الأودية التهامية الواسعة، غابت وسط الإهمال والتهدم، وحل محلها ورم نعمة التغيير. انتشرت التنمية العمرانية الأسمنتية حول هذه القرى الحجرية التاريخية، انتشرت وتوسعت في بطن أودية تهامة الفسيحة والطويلة والغنية بتربتها القادمة من جبال السراة، شاهدت ملامح جديدة من الرسم العشوائي، كأنه خربشة أطفال لا يعرفون محاذير ما يفعلون على صفحات ناصعة البياض.
بناء عمراني عشوائي منتشر بشكل يسيء لجمال أودية تهامة الطبيعي، تحول البناء في بعضها إلى استراحات تستنزف المياه الجوفية، دون رقابة وحساب. ستقود يوما إلى تملحها لجور الاستنزاف ولقربها من البحر الأحمر، حيث ستحل مياه البحر المالحة محل هذه المياه العذبة التي يتم استنزافها بشكل عشوائي لتحقيق رغبة الامتلاك المشوه، ونشوة الترفيه الأناني.
كانت سيارتي تطوي الطريق نحو القنفذة، بتوجيه الملاح الرقمي الذي تحمل، وبالصوت الرقمي العربي الواضح. تأتي التعليمات بالأرقام الدقيقة للمسافات، ثم يوجه هذا الصوت الرقمي، نحو المنعطفات والتفريعات التي يجب أن تسلكها سيارة الرحلة.
الأمر المفرح والجميل هو رؤية أبراج الكهرباء تطارد البيوت في كل مكان من أودية سهول تهامة. إنها نعمة نور الكهرباء حيث تنقل الحضارة لكل بيت، ويبقى العقل بحاجة لإنارة العلم والمعرفة والثقافة وهي موجودة، لكن غيبتها التعديات على هذه السهول، وظهرت مؤشرات إهمالها وعدم استثمارها لما خلقت له، فهي تشكل محور الأمن المائي والأمن الغذائي لنا وللأجيال القادمة.
في ظل المؤشرات التي كنت أرصدها في سهول تهامة العظيمة، أجد نفسي أمام إصدار أحكام أقرب إلى مرارة العلقم، وقسوة القنوط.
لم أتأثر بقسوة النتائج الفاشلة لتنمية الأفراد حول الطريق التي كنت أسلك، فكل شيء يدل على طفرة عاشها الطريق ثم تقلصت واختفت. وجدت محطات الوقود المعطلة، والمباني المهجورة، حيث تحولت لخرابات، لكن الطريق قائم بحركة نشطة من العابرين، ولا تدري إلى أين؟ وجدت لوحات إرشادية قائمة تحمل معلومات بأرقام المسافات بين مواقع ينقلك إليها الطريق. وجدت لوحة تقول: القنفذة 22 كم، القوز 61 كم، حلي 93 كم، جازان 387 كم، اليمن 469 كم.
تركيزي كان منصبا على القنفذة كوجهة نهائية. اقتربت من الهدف. وكنت لا أعرف الكثير عن القنفذة، ولا أعرف مسبقا ماذا سأجد. لكن أعرف أن القنفذة ميناء على البحر الأحمر، وكل مدينة على البحر هي ميناء، يختلف في أهميته وفي دوره ووظيفته.
الباحة منطقة داخلية ليس لها بحر. وكان قدري أن عشت في الباحة وأيضا في الأحساء، وكليهما في موقع بعيد عن البحار. وقد سمعت عن مطالبات لضم القنفذة إلى منطقة الباحة بدلا من مكة المكرمة التي تبعد عنها بمسافة تزيد على (350) كيلو مترا. بعد زيارتي هذه أيقنت بجدوى هذه المطالبة، فهي الأقرب إلى الباحة وكأنها جزء منها، فهي لا تبعد بأكثر من (100) كيلو متر.
وصلت أخيرا إلى نقطة تقول لي: أنت في القنفذة. معلومة رسمتها بلديتها، عندها أطفأت جهاز الملاحة، وتتبعت اللوحات الإرشادية. وجدت مدينة صغيرة مكتظة بالعمارات والمباني الحديثة، متعددة الأدوار، وتشكل تجمعا محدودا أنيقا على شوارع توحي وتقول.
لم أجد القنفذة القديمة، ولم أجد لها مكانا، ولكن وجدت كل شيء حديثا، وتساءلت ما هي مقومات الحياة في هذه المدينة الحديثة والهادئة على شاطئ البحر الأحمر؟ لم أجد مدنا صناعية، لكن لفتت نظري لوحة على موقع جديد على البحر تعلن وجود جمعية تعاونية لصيادي الأسماك. عندها أدركت أن أفضل وجبة غداء لهذه المناسبة هو السمك. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH
بناء عمراني عشوائي منتشر بشكل يسيء لجمال أودية تهامة الطبيعي، تحول البناء في بعضها إلى استراحات تستنزف المياه الجوفية، دون رقابة وحساب. ستقود يوما إلى تملحها لجور الاستنزاف ولقربها من البحر الأحمر، حيث ستحل مياه البحر المالحة محل هذه المياه العذبة التي يتم استنزافها بشكل عشوائي لتحقيق رغبة الامتلاك المشوه، ونشوة الترفيه الأناني.
كانت سيارتي تطوي الطريق نحو القنفذة، بتوجيه الملاح الرقمي الذي تحمل، وبالصوت الرقمي العربي الواضح. تأتي التعليمات بالأرقام الدقيقة للمسافات، ثم يوجه هذا الصوت الرقمي، نحو المنعطفات والتفريعات التي يجب أن تسلكها سيارة الرحلة.
الأمر المفرح والجميل هو رؤية أبراج الكهرباء تطارد البيوت في كل مكان من أودية سهول تهامة. إنها نعمة نور الكهرباء حيث تنقل الحضارة لكل بيت، ويبقى العقل بحاجة لإنارة العلم والمعرفة والثقافة وهي موجودة، لكن غيبتها التعديات على هذه السهول، وظهرت مؤشرات إهمالها وعدم استثمارها لما خلقت له، فهي تشكل محور الأمن المائي والأمن الغذائي لنا وللأجيال القادمة.
في ظل المؤشرات التي كنت أرصدها في سهول تهامة العظيمة، أجد نفسي أمام إصدار أحكام أقرب إلى مرارة العلقم، وقسوة القنوط.
لم أتأثر بقسوة النتائج الفاشلة لتنمية الأفراد حول الطريق التي كنت أسلك، فكل شيء يدل على طفرة عاشها الطريق ثم تقلصت واختفت. وجدت محطات الوقود المعطلة، والمباني المهجورة، حيث تحولت لخرابات، لكن الطريق قائم بحركة نشطة من العابرين، ولا تدري إلى أين؟ وجدت لوحات إرشادية قائمة تحمل معلومات بأرقام المسافات بين مواقع ينقلك إليها الطريق. وجدت لوحة تقول: القنفذة 22 كم، القوز 61 كم، حلي 93 كم، جازان 387 كم، اليمن 469 كم.
تركيزي كان منصبا على القنفذة كوجهة نهائية. اقتربت من الهدف. وكنت لا أعرف الكثير عن القنفذة، ولا أعرف مسبقا ماذا سأجد. لكن أعرف أن القنفذة ميناء على البحر الأحمر، وكل مدينة على البحر هي ميناء، يختلف في أهميته وفي دوره ووظيفته.
الباحة منطقة داخلية ليس لها بحر. وكان قدري أن عشت في الباحة وأيضا في الأحساء، وكليهما في موقع بعيد عن البحار. وقد سمعت عن مطالبات لضم القنفذة إلى منطقة الباحة بدلا من مكة المكرمة التي تبعد عنها بمسافة تزيد على (350) كيلو مترا. بعد زيارتي هذه أيقنت بجدوى هذه المطالبة، فهي الأقرب إلى الباحة وكأنها جزء منها، فهي لا تبعد بأكثر من (100) كيلو متر.
وصلت أخيرا إلى نقطة تقول لي: أنت في القنفذة. معلومة رسمتها بلديتها، عندها أطفأت جهاز الملاحة، وتتبعت اللوحات الإرشادية. وجدت مدينة صغيرة مكتظة بالعمارات والمباني الحديثة، متعددة الأدوار، وتشكل تجمعا محدودا أنيقا على شوارع توحي وتقول.
لم أجد القنفذة القديمة، ولم أجد لها مكانا، ولكن وجدت كل شيء حديثا، وتساءلت ما هي مقومات الحياة في هذه المدينة الحديثة والهادئة على شاطئ البحر الأحمر؟ لم أجد مدنا صناعية، لكن لفتت نظري لوحة على موقع جديد على البحر تعلن وجود جمعية تعاونية لصيادي الأسماك. عندها أدركت أن أفضل وجبة غداء لهذه المناسبة هو السمك. ويستمر الحديث بعنوان آخر.
@DrAlghamdiMH