لمى الغلاييني

ما زالت الأسئلة عما يعنيه الحب وفلسفة العلاقات العاطفية في العموم تتصدر محركات البحث بصورة كبيرة، ففي كل يوم يكتب أحدهم متسائلا عن طبيعة علاقته بالجنس الآخر، هل ستستمر؟ هل حدوث المشكلات يعني أن العلاقة فاشلة؟ لماذا تستمر بعض العلاقات وتذبل الأخرى؟ لم نحب هذا الشخص تحديدا؟ ولقد حاول روبرت سترنبرغ أستاذ علم النفس بجامعة ييل الإجابة عن ذلك في الثمانينيات الماضية من خلال ما يسمى «نظرية مثلث الحب» (triangular theory of love) التي توضح أن الحب الكامل هو مثلث متساوي الأضلاع من الحميمية (Intimacy)، والشغف (Passion)، والالتزام (Commitment)، حيث يرى سترنبرغ أن الحميمية مكون متطور في العلاقة يبدأ بالمشاركة في التفاصيل الصغيرة وصولا للمخاوف، فعندما يتشارك الطرفان في مخاوفهما يكونان قد وصلا إلى أعلى درجات الحميمية واندماج الذات داخل الآخر، فهي المكون الدافئ في العلاقة والمتزايد مع مرور الوقت، حتى يذوب أحدهما في الآخر ويصنعا ذاكرة مشتركة من خلال تفاصيل العلاقة، مع ترسخ عامل الثقة وأن يكون مستوى الصراحة متساويا ومتبادلا بين الطرفين فيكشف كل طرف عن نفسه أكثر ويترك مساحة للطرف الآخر أن يهتم ويعرف، أما الضلع الثاني والأسرع تطورا في العلاقة فهو العشق، وهو المكون الناري الساخن المسؤول عن الانجذاب الجسدي والشعور باللهفة للمحبوب، ولأنه أسرع المكونات تطورا فهو أولها انتهاء، ويحتاج لمجهود جاد من الطرفين لإذكاء شعلته المتوقدة، وفي العلاقات العاطفية، يبدأ العشق ثم تتكون الحميمية، بعكس العلاقات التي تبدأ بأساس الصداقة، حيث يقرر الطرفان الدخول في علاقة عاطفية بعد مشاركة تفاصيل حميمية بينهما، تكون هي السبب أحيانا في توليد مكون العشق. أما الضلع الثالث والأخير في النظرية فهو الالتزام، وهو الأثقل في العلاقة، ويعتبر المكون الفكري والعقلاني مقارنة بالحميمية والعشق، والمقصود به على المدى القصير أن يبقى كلا الطرفين معا، أما المدى الطويل فالالتزام بالقوانين جميعها التي يضعها كل منهما، ويخلق الالتزام شعورا بالمسؤولية عند الطرفين فيبذل كل منهما جهده من أجل الحفاظ على هذه العلاقة، والالتزام هو مكون خفي في العلاقة لا يمكن التحكم به، فإذا حدث فتور يمكن للطرفين قضاء ليلة رومانسية لتجديد العشق على أضواء الشموع، لكن لا شيء يمكن فعله إذا قرر أحد الطرفين ألا يرغب في الالتزام، فهو المسؤول عن الدعم والأمان في العلاقة، لكنه قد يتحول لضغط كبير حين يفقد الطرفان ضلعي العشق والحميمية. وهو التبرير الرئيسي في استمرار العلاقات رغم فتورها، فالعلاقات ذات المدى الطويل تخلق قدرة للطرفين على العفو عندما يتعرض أحدهما للخطأ لأن كلا منهما ملتزم باستمرار تلك العلاقة، لكن انتهاء العلاقة لا بد أن يكون جزءا من الالتزام، بأن يلتزم كلا الطرفين بالتصريح عن ذلك إذا انطفأت مشاعره، ويجعلنا كل ما سبق نتصور بأن الحب الأمثل علاقة متساوية في الأضلاع الثلاثة، لكن سترنبرغ يوضح أن الأمر ليس بتلك السهولة بل يتطلب مجهودا ذكيا وكبيرا من كلا الشريكين، حيث تتداخل معايير مثلث الحب بدرجات واسعة مع بعضها البعض، ولهذا فكل منا عبر خلطته الخاصة من أضلاع المثلث يصنع قصة الحب الخاصة والأنسب له، أما نظرية مثلث الحب فهي تمنحنا فرصة جيدة لتقييم علاقاتنا مع الآخرين والبحث عن نقاط قوتها وضعفها، وتعطينا إشارات حمراء عند تناقص وجود أحد العوامل الثلاثة في علاقاتنا الحريصين على دوامها، ولو رجعنا بالذاكرة لعلاقات سابقة سنكتشف أنها على الأغلب فشلت بسبب اختلال أحد هذه الأضلاع.

LamaAlghalayini@