فيصل الخريجي

شهد عام 1760 ميلادي انطلاق الثورة الصناعية بانتقال الإنسان من الصناعة اليدوية إلى الصناعات الميكانيكية التي بدأت بالفحم ثم النفط والمفاعلات النووية لتصبح أكثر ضراوة وأشد فتكاً بالبشر والحجر والشجر والمخلوقات كافة.

وبالاستخدام المزمن لها أخذ العالم يتصحر، والهواء يتلوث، والموارد تشح جراء هذه الطاقة الخطيرة المضادة للبشرية والبيئة والمناخ، وأصبحت العلاقة بين الاقتصاد وسلامة المناخ وصحة الإنسان علاقة عدوانية إلى حد وكأنه يستحيل التناغم بينهما.

ورغم ذلك فإن الدول بدأت جهودها للحد من توحش استخدام الطاقة وآثارها الملوثة الضارة بالمناخ والطبيعة، فاتجهت إلى إبرام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛ لحماية المناخ والبيئة، ومن تلك الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها في مجال البيئة: 1- اتفاقية لندن عام 1972 لمنع تلوث البحار الناجم عن قلب النفايات والمواد الأخرى، 2- معاهدة موسكو عام 1963م بشأن حظر الاتجار بالأسلحة النووية، 3- اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، 4- اتفاقية حماية طبقة الأوزون 1985، 5- اتفاقية (سايتس) الخاصة بالاتجار الدولي في أنواع الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، 6- الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر للعام 1994، 7- اتفاقية استوكهولم بشأن الملوثات العضوية الثابتة، 8- اتفاقية حظر استخدام وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، 9- معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء. ورغم ذلك عجزت كل هذه الاتفاقيات عن كبح جماح الرأسمالية المتوحشة التي تفضل الطاقة الضارة المعادية للمناخ والبيئة والإنسان بحجة أن الاقتصاد يتطلب ذلك، إلا أن دخول المملكة العربية السعودية إلى مجال الطاقة الخضراء النظيفة الصديقة للطبيعة والتي تعتبر طاقة رخيصة التكلفة سوف يقلب المعادلة؛ إذ تسعى العبقرية السعودية إلى تحقيق التوازن بين المناخ والاقتصاد بما يضمن استدامة موارد الطاقة، واستقرار وتطور الاقتصاد دون أن يلحق الأذى بالإنسان والطبيعة.

ومواكبة لهذا النهج، يتطلع العالم بتفاؤل كبير لمشاركة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في قمة القادة حول المناخ، لتدخل المملكة بكل ثقلها بحثاً عن طاقة نظيفة تخدم الإنسانية؛ فقد أصدرت المملكة إعلاناً خاصاً حول البيئة، كما تتبنى مفهوم الاقتصاد الدائري للكربون، وتأسيس أول مجموعة عمل خاصة للبيئة فيها، وخصصت كذلك مساراً خاصاً بالبيئة نتج عنه بيان وزاري تناول مجمل التحديات البيئية العالمية ومن ضمنها التغير المناخي، وفضلاً عن ذلك أثمرت جهود المملكة خلال قمة مجموعة العشرين في إطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي، وحماية الشعب المرجانية، وسيكون لهاتين المبادرتين أثرُ كبير في تعزيز الجهود الدولية للحد من آثار التغير المناخي.

كما أسهم التطور الذي قامت به المملكة في مجال تنمية المحميات الطبيعية محلياً في رفع نسبة تغطية المملكة من (4 %) إلى ما يزيد على (14%)، وزيادة الغطاء النباتي في المملكة بنسبة (40 %)، وذلك خلال الأعوام الأربعة الماضية فقط، ويأتي ذلك مع إعلان سمو ولي العهد مبادرتي «السعودية الخضراء»، و«الشرق الأوسط الأخضر» اللتين سترسمان توجه المملكة والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعهما ضمن خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة، وستسهمان بشكل كبير في تحقيق المستهدفات العالمية من خلال زراعة 50 مليار شجرة عبر أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم.

وما هو جدير بالذكر ختاما، أن مبادرة «السعودية الخضراء» ستعمل على تقليل الانبعاثات الكربونية بأكثر من (4 %) من الإسهامات العالمية عبر مشاريع في مجال التقنيات الهيدروكربونية النظيفة التي ستمحو أكثر من (130) مليون طن من الانبعاثات الكربونية.

@falkhereiji