خالد الشنيبر

في الأسبوع الماضي كتبت مقالا بعنوان «الرهان الخاسر في سوق العمل»، وكان مضمونه عن أهمية وجود توازن في حماية طرفي سوق العمل «العامل وصاحب العمل»، وعدم الإفراط في حماية أي طرف منهما على الآخر، وكانت ردود الفعل التي وصلتني إيجابية في أهمية هذا التوجه لضمان تحسين بيئة العمل في القطاع الخاص، وفي هذا المقال سأتطرق لبعض الإضافات المتعلقة في توازن الحماية بين الطرفين وتحسين بيئة عمل القطاع الخاص.

من اطلاع على نشرات سوق العمل نجد أن الوظائف «بالغالب» ما زالت «تدور» حول من يمتلك خبرات سابقة، وذلك يعني أن بطالتنا تنحصر بشكل رئيسي في المتعطلين «من لم يسبق لهم العمل»، وبتشخيص أعمق نجد أن هناك عدم استقرار للعامل مع صاحب العمل وبشكل لافت، ويرجع سبب ذلك لعدة عوامل يتحملها الطرفان، ولكن أبرزها عدم احترام مدة العقد المتفق عليه، فنجد أن عملية الاستقالات والتنقل قبل نهاية مدة العقد ازدادت بشكل غير صحي بالرغم من توضيح حق الطرفين وفقاً لنظام العمل.

ومن جانب آخر، نجد أن هناك عدم التزام بساعات العمل «ليس بتعميم» لموظفي القطاع الخاص وخاصة في أنشطة التجزئة، وهذا السلوك يشتكي منه الكثير من أصحاب العمل بالرغم من وجود ضوابط له في نظام العمل، ولكن يجهل قيمة وأثر ذلك الموظفون غير الملتزمين بأوقات العمل الرسمية، وكوجهة نظر شخصية أرى أن تطبيق الجزاءات عليهم وفقاً لنظام العمل لا يكفي إذا كان الهدف هو تحسين العلاقة التعاقدية بين العامل وصاحب العمل في القطاع الخاص.

بغض النظر عن الظروف التي تصاحب سوق العمل بالوقت الحالي، ولو كانت هناك إحصاءات رسمية تفصيلية عن معدل استقرار العمالة بالقطاع الخاص سيتبين لنا أن هناك أعداداً ليست بالقليلة من المشتغلين «تنقلوا» على أكثر من وظيفة من صاحب عمل لآخر خلال فترة السنة، مما يعني التضييق على المتعطلين «من لم يسبق لهم العمل» للدخول في سوق العمل، أي أن عدد المشتغلين حسب الإحصاءات الرسمية لا يعني هو نفس عدد الوظائف المتاحة في سوق العمل، ولتوضيح ذلك بمثال: لو فرضنا أن مشتغلا عمل لدى صاحب عمل بعقد مدته سنة ثم قدم استقالته بعد مرور 4 أشهر وانتقل لصاحب عمل آخر، ومن ثم قدم استقالته من صاحب العمل الآخر بعد مرور 4 أشهر وانتقل لصاحب عمل ثالث، سنجد أن هذا المشتغل «تنقل» في ثلاث فرص وظيفية كانت متاحة بالسوق «خلال سنة»، وساهم بالضرر غير المباشر في فرصتين منها كان بالإمكان دخول مشتغلين آخرين لها، وهذا السيناريو يعتمد على الفترة المتعارف عليها لشغل الوظائف والتي يعي قيمتها موظفو التوظيف والموارد البشرية.

حتى نصل لحلول مستدامة في تحسين سوق العمل؛ ينبغي أن يكون التعامل سلوكياً ونظامياً مع طرفي سوق العمل «العامل وَ صاحب العمل»، وما ينتظره القطاع الخاص في الوقت الحالي مع توجه رفع معدلات التوطين في كثير من الأنشطة هو وجود أداة لتقييم العاملين في القطاع الخاص وذلك في معيارين: «الالتزام في الحضور» و«الالتزام بإكمال فترة العقد»، ومن خلال تلك الأداة بإمكان أي صاحب عمل مستقبلي الإطلاع على تقييم الموظف قبل توظيفه في أهم معيارين من وجهة نظري الشخصية.

أصحاب العمل يفضلون المرشحين قليلي التنقل ومن يحترمون فترة عقودهم السابقة بالإضافة للموظفين الملتزمين بأوقات العمل الرسمية، ومن مبدأ التوازن في حماية طرفي سوق العمل سيكون هناك رفع لمستويات الالتزام وبشكل كبير مما يساهم ذلك في دخول الباحثين عن العمل الجادين في الالتزام واحترام عقد العمل.

ختاما: كوجهة نظر شخصية أرى أن ربط تلك الأداة بالمنصة الوطنية الموحدة للتوظيف بالإضافة لمنصة قوى يعتبر المكان الأنسب لعرض تلك المؤشرات المهمة والتي سيكون لها دور كبير في فلترة الجادين بالعمل وتفضيل توظيفهم، وهذا الأمر سيكون له أثر غير مباشر في رفع أجور المشتغلين السعوديين الملتزمين.

@Khaled_Bn_Moh