عبدالرحمن المرشد

نتذكر قديمًا، سواء بالمشاهدة أو بالسماع، أو من خلال بقايا الصور القديمة التي تعود لخمسين عامًا مضت وأكثر، نتذكر أن آباءنا وأجدادنا كانوا ماهرين في الكثير من الحِرَف اليدوية مثل بناء المنازل، وصناعة اللبن والخوص والسدو، وبناء السفن وغيرها من مهن برع فيها أجدادنا، وكانت مصدر رزق لهم، بل الكثير بدأ تجارته والتوسع فيها من خلال تلك المهن، ولكن بعد الطفرة الاقتصادية التي مرّت على المملكة، وتنوّع مصادر الرزق وتعدد الأبواب التجارية، تناسى الجيل الحالي تلك المِهن وأصبحوا يستعيبون منها لدرجة عندما يتحدث أحد رجال الأعمال الكبار عن هذا الأمر، ويذكر أن بداياته انطلقت من تلك المِهن أو الحِرَف لا يصدقون، ويعتبرون هذا نوعًا من المبالغة، وأتذكر أحد الأثرياء قال عن بداياته إنه عمل في بناء المنازل الطينية، وآخر عمل في خراف النخل وهكذا، وهي ليست أعمالًا معيبة، بل العيب في أن يجلس الإنسان بلا عمل منتظرًا الوظيفة فقط، وكأنها باب الفرج.. وهذا خطأ كبير نقع فيه عندما نعتقد أن الوظيفة وحدها تُغنيك، بينما أبواب الرزق مفتوحة بشرط البدء والانطلاق نحو هذا الفضاء الواسع، والتوكل على الله وحده.

لدينا في المملكة صناعات يدوية غاية في الجمال والروعة تنتظر مَن يُعيد لها التوهّج من جديد؛ لإبراز تلك الجماليات ومكامن السحر، بعد أن اختطفتها العمالة وشوّهتها، مَن يشاهد المسجد والبيت النجدي القديم وروعة التصميم، وما يتخلله من شُرفات وتشكيلات جمالية، يجذبه الحنين إلى تلك البيوت التي بناها أجدادنا بأيديهم، وكذلك مَن يشاهد البيت الحجازي القديم بروعة التصميم وسحر الألوان، يجذبه الحنين إلى تلك المنازل التي بناها آباؤنا بكل فن واقتدار، وأيضًا صناعة الخوص والسفن التي اشتهرت بها المنطقة الشرقية وصناعة السدو التي انتشرت في المنطقة الشمالية، وكذلك الورد الطائفي في مدينة الطائف، وغيرها من مِهن برع فيها آباؤنا وأجدادنا، ولكنها تحوَّلت مع الوقت إلى أيدي العمالة التي شوَّهتها وأفسدتها حتى أصبحت بلا نكهة.

تجربة الجنادرية من خلال جلب كبار السن أصحاب المهن لعرض صناعاتهم أمام الناس وبيعها حققت نجاحًا كبيرًا، وبارقة أمل لعودة تلك المِهَن لحضنها الطبيعي بدون تدخّل العمالة، أتمنى إنشاء سوق شعبي لأصحاب المِهَن الوطنيين في كل منطقة؛ لدعم تلك الصناعات من جهة، وإعادة إحيائها من جديد في نفوس الجيل الحالي، وحتى نقلل من سيطرة العمالة الوافدة على تلك الجماليات التي شوَّهتها.

almarshad_1@