محمد الحرز

قوة الدولة ومؤسساتها لا تعني للمجتمعات سوى الأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي والتطور الصحي والتعليمي والثراء الثقافي والفكري بينما ضعفها وضعف مؤسساتها وانحسار تأثيرها لا يؤدي في نهاية الأمر إلا إلى الفوضى والتفكك وانتشار العنف بين الجماعات ناهيك عن تردي الأوضاع الحياتية في جميع المجالات بالنسبة للفرد والمجتمع على السواء.

السعودية آمنت بقوة الدولة كمشروع مستقبلي تطويري، إذ سعت إلى تحصين مؤسساتها وتقويتها وانخرطت في رؤيتها 2030 ضمن هذا الهدف الكبير، تعزيزا لتمكين مجتمعها رجالا ونساء في استثمار ما ينتج من قوة هذه المؤسسات في مختلف مجالاتها العلمية والثقافية والاقتصادية لما يضع اسم المملكة في مصاف الدول المتقدمة، وهذا ما تحقق في فترة وجيزة محليا وإقليميا وعالميا، ولم تمض على استراتيجية الرؤية سوى خمس سنوات منها.

لكن مشروع الحرس الثوري الإيراني، وكل أذرعته وميليشياته في المنطقة قائم بالضد من مشروع الدولة، قائم على إفشالها وتدمير بنية مؤسساتها كي تتم السيطرة عليها مثلما هو الآن في لبنان واليمن والعراق وسوريا.

لذا نحن أمام مشروعين، واحد تنويري يريد الخير والنماء والإصلاح لشعوب المنطقة، ويسعى للاندماج في النظام العالمي والتأثير فيه، ومشروع آخر ظلامي لا يؤمن بالدولة ولا بشرعية القوانين الدولية، تفكيره ماضوي وثقافته طائفية.

لا يمكن ركون الخطاب الإعلامي في التمييز كمعيار حقيقي بين المشروعين سوى الانحياز إلى الدولة أو الوقوف ضدها، وسوى ذلك ليس إلا انحراف عن توصيف ما يجري على أرض الواقع، وكل توصيف يرى في هذا المشروع الظلامي ممانعة أو مقاومة ضد العدو الإسرائيلي - الأمريكي أو جهادا إسلاميا، لا يعبر سوى عن أوهام ثورية انتهى تأثيرها بتفكك الاتحاد السوفيتي. ولم يعد العالم يرى في القوة العسكرية حلا لأزماته وعلاقاته الدولية. لكن قوة اقتصاد الدول وقوة إنتاجها حتى وإن كانت صغيرة هي التي تفرض احترامها على الجميع، وليس مثال اليابان وألمانيا ببعيد عن الأذهان.

لكن أصحاب المشروع الظلامي لا يألون جهدا في استثمار كل ما يؤدي إلى الفوضى والفتنة والعنف ونشر الفكر الماضوي، وفيما هم يتمددون في الدول العربية كميليشيات مسلحة (حزب الكبتاغون - الحشد الشعبي - الحوثيون) يرفعون شعار المقاومة، وهو شعار يعني عندهم التطهير العرقي في سوريا، زراعة وبيع الحشيش والكبتاغون وتصديره للعالم، تصدير الأسلحة والمتفجرات وتدريب التابعين منهم عليها، التحالف مع عصابات المافيا حول العالم، والمفارقة أن كل هذه الأعمال تكون مباركة وممهورة بفتاوى المعممين باسم الدين.

لبنان الآن في أسوأ حالاته، بل حتى أيام الحرب الأهلية لم يصل إلى هذا الحد من الانهيار والتفكك في مؤسساته، لبنان الخمسينيات والستينيات التي كانت مأوى المبدعين والمثقفين التنويريين والفنانين الطليعيين، ومناخ الحرية السائد لم يعد الآن كذلك تحت سيطرة هؤلاء الميليشيات.

ورغم أن تاريخ لبنان وساسته كانت تحميه وتتنازعه مصالح خارجية تتقاطع فيما بينها. لكنها في حدودها الدنيا كانت تحافظ على مصالح طوائفها في إطار الحياة البرلمانية والديمقراطية. لقد أوصلوا لبنان إلى طريق مسدود ولا احتمال آخر سوى المواجهة مع هذه الميليشيات وانتزاع سلاحها فهل سيكون ذلك بقوة السلاح أم بقوة القانون؟!

العراق أيضا لا يختلف حاله، فالأحزاب المسلحة مهيمنة على مفاصل الدولة والفساد ينخر مؤسساتها منذ 2003م، تتوالى المصائب على الشعب العراقي ولا شيء يتغير، بل تزداد هذه الأحزاب قوة وهيمنة.

الحوثيون بدورهم أوصلوا اليمن إلى حالة من تفشي الفقر والمرض والانقسام لم يصل لها من قبل، وكأنه لا يرى الدولة إلا باعتبارها حشد الأسلحة وصناعة المسيرات والعدوان.

الخلاصة هذه هي صورة الدولة التي وقعت تحت سيطرة هذه الميليشيات، وهي صورة ظلامية لا تنظر إلى المستقبل بقدر ابتعادها عنه إلى الماضي، بينما صورة الدولة التي تقدمها السعودية صورة مستقبل أجيال المنطقة.