إذا طلب من الأغلبية في هذا العالم أن يعبروا عن أكثر ثلاث أمنيات لديهم ستجدهم ينشدون الصحة والثراء والسعادة، وإذا طلب منهم بعد ذلك أن يختاروا الأمنية الأهم فستكون إجابة الغالبية هي السعادة، لكن القلة من تجدها، فالأمر يشبه البحث عن إبرة في كومة من القش، ولذا فإن معظمنا لا يجهل فقط أين يبحث عن السعادة بل يجهل من أين يبدأ، ولقد جعلنا شغلنا الشاغل هو البحث عن السعادة، رغم أن العثور عليها لا يتم عن طريق المطاردة كما يطارد الصياد طريدته، لأنها لا توجد في زيادة الممتلكات أو إشباع الرغبات، ففي كل مكان وزمان نرى أشخاصا يراقبون من حولهم، ويحاولون الحصول على أشياء تشبههم لاعتقادهم بأن هذا سيزيد من سعادتهم، لكن تكديس الأشياء حولك مهما بلغ حجمها لن يجعلك سعيدا أبدا، فأولئك الباحثون دوما عن أشياء أو متع تشبع رغباتهم هم باحثون خائبو الأمل، وغالبا ما سيدركون في وقت متأخر جدا أن سعيهم وراء شهوتهم سيزيد من جشع نفوسهم الحقيقي، لأن الرغبة مثل المحيط الذي لا يشبع بل يطلب المزيد كلما أجبت مطالبه، فالسعادة نتاج للتوجه العقلي، ومطاردتك إياها في كل أرجاء العالم لن تفيدك، وإذا كنت لا تحملها معك فلن تجدها أبدا، فالتاريخ مليء بحطام من سعوا وراء السعادة بشدة طوال حياتهم ولم يلحقوا بها قط، فإذا طاردنا السعادة فيجب علينا أن نتذكر بأنه أينما بحثنا عنها فسنجد ما نحمله معنا منها، فهي موجودة بداخلنا رغم أن معظمنا يبحثون عنها في الخارج، وتكتسب السعادة الحقيقية عن طريق سعينا للقيام بدورنا في العالم، والرغبة في أن نجعل العالم مكانا أفضل للعيش فيه بفضل جهودنا، وقليل من يدرك أن السعادة يمكن غرسها ويعتقدون أن القدرة على الاستمتاع بالحياة هي جينات وراثية لحد كبير، وأنهم لا يستطيعون فعل الكثير لتغيير ميولهم، وعند الإشارة إلى شخصيتهم أو لشخصية شخص آخر فإنهم غالبا ما يتحدثون عن الطبيعة الخاصة بهم أو بالآخر كما لو كانت شخصيتهم شيئا جوهريا ثابتا لا يتغير، ولكننا نتعلم ونتغير وأدمغتنا قابلة للتكيف تماما، وكل مطلب حضاري جديد استلزم شيئا جديدا من العقل، وقد استجاب له المخ وكيف نفسه حسب احتياجات المرحلة، فكل اهتمام منشود لدينا يتطلب من المخ أمورا مختلفة، ويكتسب المخ وفقا لذلك قدرات وخصائص مرتبطة بهذا الاهتمام، وبعبارة أخرى يتغير المخ لكي يلبي الحاجة المطالب بها، وتطرأ عليه تعديلات نتيجة الأنشطة والدوافع المتعددة التي نطالبه بها ليتعامل مع الظروف التي يواجهها، فمن أهم وأصعب دروس الحياة معرفة أننا نتاج لفكرنا بشكل كبير، وأن لعاداتنا الفكرية تأثيرا كبيرا على مخرجات حياتنا، فالسعادة هي اللغز الكبير في الحياة، وهي تستطيع النمو في أية تربة وتحت أية ظروف، لأنها تتحدى البيئة وتنبع من الداخل، فهي ليست في الامتلاك بل الاستمتاع، وهي الدفء الصادر من القلب عندما يكون في سلام مع نفسه، فالإنسان صانع سعادته، فهي عبير الحياة التي نعيشها في تناغم مع المثل العليا، وواجب الجميع هو غرس طبيعة سعيدة مبهجة.
LamaAlghalayini@
LamaAlghalayini@