د. محمد حامد الغامدي

 ستظل البيئة شريك الإنسان السعودي في النجاح. فكل بيئة تملك إستراتيجيات خاصة ذات قيمة، مثلها مثل البشر. يمكن رصدها سعيا لفهمها وتعميق حسن التعامل مع معطياتها الطبيعية. لا أن نتحدّاها ونسخر منها، ونتجاهلها. هذا يعني احترام البيئة كاحترامنا لأنفسنا، وتعظيمنا لكرامتنا. هذا يعني متطلبات ضرورية، نحققها، على رأسها المتطلبات العلمية. هذا يعني أن يكون جهدنا منصبا لخدمتها، أولاً، لتحقيق عطاء مستدام للأجيال.

 هذا يعني أن نملك فلسفة بيئية واضحة ومحددة لـ(مشروعنا): (السعودية الخضراء). فلسفة تغرس النجاح غرسا مدروسا وليس عبثا. أن يكون لهذه الفلسفة مبادئ محددة، واضحة ومقننة، لتسهيل رؤية الأشياء بشكلها الصحيح والسليم. هذا يعزز قيمها مغروسة في النفوس عبر الأجيال، كعقيدة راسخة تعزز ولا تهدم. أن نحدد أهداف هذه الفلسفة بوضوح ودقة، لضمان استمرار الأجيال في الحفاظ على تطلعات المؤسسين في التطوير، والتنمية، والحماية، والرعاية. أن تكون لهذه الفلسفة معايير، لمعرفة مدى الجودة، ومدى تجاوز التحديات، بجانب تشخيص المشاكل، وتحديد الاحتياجات، وتوظيف التقنيات، ومواكبة التطورات أيا كان نوعها. إن استحضار هذه الفلسفة مع غيرها يؤسس للنجاح واستدامته.

 إن نجاح تعزيز مستقبل وجودنا مع البيئة، في جزء منه، يعتمد على مهارات الحياة البيئية التراثية العالية الدقة. هذا جانب حضاري مهم. أدعو لعدم تجاهله أو اعتباره من التخلف. أقول هذا لأنها تحمل مؤشرات النجاح. علينا رصدها، ودراستها، وتحليلها، وإيجاد التفسيرات العلمية، ثم التوسع في تطبيقها. إنها علوم مهمة أيها السادة. فكل قوم خبراء ببيئتهم، والعرب تقول: (أهل مكة أدرى بشعابها). هذا يعني أن لكل بيئة أسرارا يسهل رصدها. تجاهلها يقوي عوامل التحدي ويعزز سلبيات المشاكل وإحباطاتها. هذا التراث البيئي المهاري خبرة تراكمية لا يستهان بها. هو علم بالتطبيق. هو نظريات وفرضيات تحولت لحقائق. إن العبث بهذا الموروث البيئي وضياعه وتجاهله، أشبه بمكتبة تحترق.

 لنركز على أبعاد السؤال التالي: كيف نجح الآباء مع البيئة، عبر القرون، في غياب العلم والتقنيات العلمية ونظرياتها، ومعاملها وميادينها؟ سؤال ليس لرفاهية الطرح، والاستعراض والتباهي بالماضي. سؤال علمي أطرحه بهدف حرث الذات، بحثا عن أسرار بيئتها، التي احتضنت وكونت قالبها، فأصبحت هذه الذات علامة بوشم متميز. إن هذا التراث أساس لعلوم كثيرة.

 ذاتنا البيئية أداة تعبير عن البيئة، بل هي وسيلتها، وسفيرتها، تمثلها وسط محافل البيئات الأخرى.

 في زمن العلم والتقنيات والإمكانات، ماذا يمكن أن نحقق نحن أبناء هذه البيئات المتعددة في المملكة العربية السعودية -حفظها الله-؟ كيف نسخرها لخدمة البيئة وتنميتها والعناية بها كأطفالنا؟ البيئة مستقبلنا الاستثماري لتحقيق جودة حياتنا؟ كيف نجعلها ناضجة وحكيمة تناسب الظروف وتحدياتها؟

 ماذا سيكون عليه الحال لو دمجنا إمكانات الحاضر ومعطياته العصرية الحديثة بعلمها وإمكاناتها، مع المخزون الإستراتيجي من المهارات البيئية والتراث المهاري، الذي نملك؟ هل ستصبح قوة يعول عليها لتحقيق انتصار الإنسان على كل شيء يهم البيئة؟ الجواب كما أراه يفسح الطريق أمامنا للنجاح المستدام.

 نحن بمشروعنا (السعودية الخضراء) لا نؤسس لفلسفة وثقافة جديدة، ولكن نواصل عطاء الأجداد بفلسفة وثقافة جديدة.

 إن التراث المهاري نتاج الذكاء البيئي بعينه وفكره وأسسه. علينا التحلي بقيمه مع مشروعنا: (السعودية الخضراء). وقد تحلّى الآباء بهذا الذكاء عبر القرون ونجحوا.

 بالذكاء البيئي سنعبر بأجيالنا وبنجاح قرونا أخرى، ومرحلة تحول عظيمة في كل شيء. هل نستطيع تحقيق الوقوف على أسرار هذا الذكاء البيئي، كجزء من مقومات بقائنا على أرضنا الجافة، الشحيحة الماء؟

 علينا تعلم أسرار هذا الذكاء البيئي وتعليمها وممارستها. يمكن لنا بمنهجه واسمه تأسيس مدارس ومعاهد لصالح البشرية. الأهم أن تكون لدينا القناعة التامة والأكيدة بأهميته كمقدمة للنجاح. ويستمر الحديث بعنوان آخر.

@DrAlghamdiMH