بين التعبير عن السعادة والحزن على الأحباب والأيام الخوالي
تحمل كتب الأدب الكثير من القصائد التي كُتبت في الأعياد منذ قرون طويلة، وذلك على الرغم من انقسام الشعراء بين مؤيد ومعارض لشعر المناسبات، فبينما انتهز البعض فرصة العيد لنشر سعادته وفرحه، أو حتى مدح وغزل محبوبته، كان البعض الآخر يبث القصائد وأحزانه لفراق فقيد كان يعيش معه في العيد السابق، أو الترحم على الأيام الخوالي التي تحمل له ذكريات سعيدة غلبه الشوق إليها، فحمّل القصائد مشاعره الفياضة، وفي كل الأحوال كان العيد مناسبة لتحميل الشعر أحاسيس فياضة ما كانت تخرج في مناسبة أفضل منه.
مندوب السعادة
قال الشاعر جاسم عساكر: لا شك في أن صباح أول أيام العيد تحديدًا يمتاز عن سائر أيام العام بأنه ذو طابع احتفالي ديني اجتماعي أسري، يبدأ بالزينة والطيب، مرورًا بصلاة العيد، وفي الصلاة لقاء وفي اللقاء أنسٌ باجتماع الأحبة، يتبعه انشراح في الصدر بصلة الرحم وتبادل التهاني، وإشعاع البسمات في وجوه الكبار ابتهاجًا بفرحة الصغار، كل تلك اللحظات تمثل لوحة تشكيلية تامة تصور الفرح، وتجعل المشاعر أكثر رهافة وإحساسًا ورقّة، فتتحفز النفوس للتعبير عنها، ولكن ليس الكل قادرًا على رصد تلك التفاصيل بدقة واحتراف، حتى إن عاشها كواقع، وهنا يأتي دور الشاعر كمندوب عن تلك المشاعر لينظمها في قصيدة توثيقية تعكس صور الفرحة، وتجعل العواطف المحبوسة في النفوس عصافير تطلق أنغامها ويعتلي صداها في الجهات والآفاق.
شرارة حزنوعما إذا كان العيد موسمًا خصبًا للقصيدة، أضاف: الأمر يتفاوت حسب الأمزجة والظروف، فهناك مَن تتوارى عنه القصيدة تمامًا في العيد؛ كونه يرى أن الفرحة هي القصيدة التي يطمح لأن ينظمها الشاعر، وأن القصيدة الحقة لا تقدحها سوى شرارة الحزن، ولهذا فحتى إذا تداعت قصيدة عيد في نفس هذه الفئة، فهي تأتي محمّلة بشحنة إحساس حزين، أو بنبرة وجع لما يتخللها من ذكريات بعض الأحبة الراحلين الذين كانوا يغمرون العيد سعادة وهناء، فيرى الشاعر في العيد فرحة لم تكتمل، وسرورًا لم يبلغ الحلم، وهذا ما ينطبق أيضًا على المحور الثالث الذي يتحدث عن تداعيات المشاعر التي تحث الشاعر على البوح ونسج الأبيات، إذ يجد نفسه منساقًا للكتابة عن العيد بمسحة من الكآبة؛ لكنه بوح يجد فيه الارتياح من عناء الذكرى الأليمة التي توقظها من سريرها مثل هذه المناسبات.
مناسبة شاعريةأما الشاعر عبدالمجيد الموسوي، فذكر أن العيد مناسبة إنسانية وشاعرية بامتياز، خاصة إذا وظف الشاعر قريحته توظيفًا إنسانيًا؛ كأن يكتب مثلًا عن مشاعر الأطفال الكبيرة وهم ينتظرون العيد بفرح وحماس لا مثيل له، أو يكتب عن المحرومين والمشردين والأيتام، هنا حتمًا ستتفجر القريحة والمخيّلة وهي تحمل تدفقًا عاطفيًا صادقًا لا حدود له، لأن شعور الإنسان بالألم والحزن والحرمان والفقد يكون مضاعفًا في العيد.
انتصار للحياةوتابع: على الرغم من اختلاف النقاد في موضوع أدب المناسبات، أو الأغراض كما يسميها البعض، فإن الشعر الحقيقي هو الذي ينتصر دائمًا للحياة، فلو أمعنّا النظر وتأملنا في بعض قصائد المناسبات في شعرنا العربي لاكتشفنا أنها تحمل كمًا كبيرًا من الشاعرية، خاصةً عندما يؤنسن الشاعر قصيدته، ويبث فيها زخمًا عاليًا من مشاعره وصدقه العاطفي المبني على التجربة الذاتية والحياتية، وإلا لما وصف شاعر كبير بحجم يوهان غوته شعر المناسبات بالشعر العظيم في كتابه.
قريحة المتنبيوأضاف: مع إيماني الكبير برداءة كثير من شعر المناسبات، خاصة المتكلف منه، فإن هذا لا ينفي وجود الشاعرية الكبيرة في بعضه؛ ومن ذلك ما قاله الشاعر الكبير جاسم الصحيح:
العيد أن نستعيد الحُبَّ والحُلُما
وأن نُعَمِّرَ في الإنسان ما انهدما
العيد أعلى سماءٍ في جوانحِنا
لا تُمطِرُ الغيمَ لكنْ تُمطِرُ القِيَما
مزاج خاصأما الشاعر جابر الجميعة، فقال: لا شك في أن للشاعر مزاجه الخاص الذي يعمل على تنشيطه وتحفيزه، غير أنه في العيد سيحاول كبح تدفق قريحته بشكلٍ أو بآخر من فرط ما هي غارقة في تفاصيل الحب ولقاء الأحبة من الأهل والأصدقاء بعد طول غياب، فللعيد هيبته التي تُضفي على أي شاعر كي يترجم مشاعره وأحاسيسه إلى أبيات وقصائد تُطرب سامعيها وتؤنس من يقرؤها، وهنا يبرز الدور الأهم لوسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، وتبادل هذه الرسائل الشعرية على أوسع نطاق، ونحن في زمنٍ يفرض علينا المزيد من الاحترازات والتباعد الجسدي في ظل ظروف الجائحة، إلا أن التواصل الروحي يبقى سيد الموقف.
تمرُ ذكراكِ مثل العيدِ سيدتي
مثل الصبايا إذا مروا بشارعنا
ومثلِ سرب عصافيرٍ يؤرقهم
ضوء الصباح ليبقى في مسامعنا
ومن هنا تنطلق القصيدة من لحظة فرح طفلٍ وطفلة ومن دعاء جميل لأمٍ رؤوم ولأبٍ كريم، وفي انتظار غائبٍ سيعود وغائب لن يعود، في قسمات الأخوة والأخوات ولأجمل ذكريات الأصدقاء والزملاء تعبر القصيدة فضاء الشاعر يوم العيد، كما تعبر النوارس معلنةً للبحَّارة بقرب الشواطئ، هكذا القصيدة والشاعر.
مادة خصبة وتحدث الشاعر إبراهيم البوشفيع قائلًا: العيد مناسبة زاخرة بالمشاعر، ومادة خصبة للشعراء والكتاب يبثون فيها مكنون مشاعرهم السعيدة أو التعيسة، فما زال بيت المتنبي المشهور:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
يرن في الآذان والنفوس، تاركًا صداه حتى بين الشعراء الذين تناولوه معارضةً أو تضمينًا أو إعادة توليد لمعناه، فصار فرصة لبث الشعراء هموم الأمة والمجتمع في هذه المناسبة التي يُفترض أن تكون مناسبة فرح لتتحول إلى ترح وحزن، من جهة أخرى تحضر فرحة العيد بشكل باذخ في نصوص الشعراء، خصوصًا الرومانسيين، يهنئون بها أحبابهم، ويبعثون أمنياتهم المليئة بالحب والسعادة لهم.
تخصص أحزان اما الشاعر عباس العاشور فاعتبر أن قصيدة العيد تنأى عنه؛ لأنه متخصص في الحزن الناعم والهموم المدببة كالمسامير -حسب وصفه-، وأضاف: الرحيل عن الحياة أيضًا شيء جميل، فلا يضاهي متعة أن تمشي في طريق سلكه قبلك أبوك ومشت فيه أمك، وعبر منه الكثير من الأحباب باتجاه الغياب الأبدي، لا شيء يضاهي متعة الصعود للأعلى، حيث تتخلص من المكان والزمان والجهات الست التي تحتكرك كعصفور مبلول في قفص الرطب، المشكلة هي كيف يمكنك أن تتحمل فقد الأشياء التي ألفتها واعتدتها في حياتك؟، دارك أو سريرك أو ملابسك أو وجوه أحبابك، أو حتى أغراضك الرديئة التي أعانتك على تحمل عبء الحياة، كيف يمكنك تحمُّل كل ذلك؟، لذلك فأنا لا أكتب في الأعياد.
مندوب السعادة
قال الشاعر جاسم عساكر: لا شك في أن صباح أول أيام العيد تحديدًا يمتاز عن سائر أيام العام بأنه ذو طابع احتفالي ديني اجتماعي أسري، يبدأ بالزينة والطيب، مرورًا بصلاة العيد، وفي الصلاة لقاء وفي اللقاء أنسٌ باجتماع الأحبة، يتبعه انشراح في الصدر بصلة الرحم وتبادل التهاني، وإشعاع البسمات في وجوه الكبار ابتهاجًا بفرحة الصغار، كل تلك اللحظات تمثل لوحة تشكيلية تامة تصور الفرح، وتجعل المشاعر أكثر رهافة وإحساسًا ورقّة، فتتحفز النفوس للتعبير عنها، ولكن ليس الكل قادرًا على رصد تلك التفاصيل بدقة واحتراف، حتى إن عاشها كواقع، وهنا يأتي دور الشاعر كمندوب عن تلك المشاعر لينظمها في قصيدة توثيقية تعكس صور الفرحة، وتجعل العواطف المحبوسة في النفوس عصافير تطلق أنغامها ويعتلي صداها في الجهات والآفاق.
شرارة حزنوعما إذا كان العيد موسمًا خصبًا للقصيدة، أضاف: الأمر يتفاوت حسب الأمزجة والظروف، فهناك مَن تتوارى عنه القصيدة تمامًا في العيد؛ كونه يرى أن الفرحة هي القصيدة التي يطمح لأن ينظمها الشاعر، وأن القصيدة الحقة لا تقدحها سوى شرارة الحزن، ولهذا فحتى إذا تداعت قصيدة عيد في نفس هذه الفئة، فهي تأتي محمّلة بشحنة إحساس حزين، أو بنبرة وجع لما يتخللها من ذكريات بعض الأحبة الراحلين الذين كانوا يغمرون العيد سعادة وهناء، فيرى الشاعر في العيد فرحة لم تكتمل، وسرورًا لم يبلغ الحلم، وهذا ما ينطبق أيضًا على المحور الثالث الذي يتحدث عن تداعيات المشاعر التي تحث الشاعر على البوح ونسج الأبيات، إذ يجد نفسه منساقًا للكتابة عن العيد بمسحة من الكآبة؛ لكنه بوح يجد فيه الارتياح من عناء الذكرى الأليمة التي توقظها من سريرها مثل هذه المناسبات.
مناسبة شاعريةأما الشاعر عبدالمجيد الموسوي، فذكر أن العيد مناسبة إنسانية وشاعرية بامتياز، خاصة إذا وظف الشاعر قريحته توظيفًا إنسانيًا؛ كأن يكتب مثلًا عن مشاعر الأطفال الكبيرة وهم ينتظرون العيد بفرح وحماس لا مثيل له، أو يكتب عن المحرومين والمشردين والأيتام، هنا حتمًا ستتفجر القريحة والمخيّلة وهي تحمل تدفقًا عاطفيًا صادقًا لا حدود له، لأن شعور الإنسان بالألم والحزن والحرمان والفقد يكون مضاعفًا في العيد.
انتصار للحياةوتابع: على الرغم من اختلاف النقاد في موضوع أدب المناسبات، أو الأغراض كما يسميها البعض، فإن الشعر الحقيقي هو الذي ينتصر دائمًا للحياة، فلو أمعنّا النظر وتأملنا في بعض قصائد المناسبات في شعرنا العربي لاكتشفنا أنها تحمل كمًا كبيرًا من الشاعرية، خاصةً عندما يؤنسن الشاعر قصيدته، ويبث فيها زخمًا عاليًا من مشاعره وصدقه العاطفي المبني على التجربة الذاتية والحياتية، وإلا لما وصف شاعر كبير بحجم يوهان غوته شعر المناسبات بالشعر العظيم في كتابه.
قريحة المتنبيوأضاف: مع إيماني الكبير برداءة كثير من شعر المناسبات، خاصة المتكلف منه، فإن هذا لا ينفي وجود الشاعرية الكبيرة في بعضه؛ ومن ذلك ما قاله الشاعر الكبير جاسم الصحيح:
العيد أن نستعيد الحُبَّ والحُلُما
وأن نُعَمِّرَ في الإنسان ما انهدما
العيد أعلى سماءٍ في جوانحِنا
لا تُمطِرُ الغيمَ لكنْ تُمطِرُ القِيَما
مزاج خاصأما الشاعر جابر الجميعة، فقال: لا شك في أن للشاعر مزاجه الخاص الذي يعمل على تنشيطه وتحفيزه، غير أنه في العيد سيحاول كبح تدفق قريحته بشكلٍ أو بآخر من فرط ما هي غارقة في تفاصيل الحب ولقاء الأحبة من الأهل والأصدقاء بعد طول غياب، فللعيد هيبته التي تُضفي على أي شاعر كي يترجم مشاعره وأحاسيسه إلى أبيات وقصائد تُطرب سامعيها وتؤنس من يقرؤها، وهنا يبرز الدور الأهم لوسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، وتبادل هذه الرسائل الشعرية على أوسع نطاق، ونحن في زمنٍ يفرض علينا المزيد من الاحترازات والتباعد الجسدي في ظل ظروف الجائحة، إلا أن التواصل الروحي يبقى سيد الموقف.
تمرُ ذكراكِ مثل العيدِ سيدتي
مثل الصبايا إذا مروا بشارعنا
ومثلِ سرب عصافيرٍ يؤرقهم
ضوء الصباح ليبقى في مسامعنا
ومن هنا تنطلق القصيدة من لحظة فرح طفلٍ وطفلة ومن دعاء جميل لأمٍ رؤوم ولأبٍ كريم، وفي انتظار غائبٍ سيعود وغائب لن يعود، في قسمات الأخوة والأخوات ولأجمل ذكريات الأصدقاء والزملاء تعبر القصيدة فضاء الشاعر يوم العيد، كما تعبر النوارس معلنةً للبحَّارة بقرب الشواطئ، هكذا القصيدة والشاعر.
مادة خصبة وتحدث الشاعر إبراهيم البوشفيع قائلًا: العيد مناسبة زاخرة بالمشاعر، ومادة خصبة للشعراء والكتاب يبثون فيها مكنون مشاعرهم السعيدة أو التعيسة، فما زال بيت المتنبي المشهور:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
يرن في الآذان والنفوس، تاركًا صداه حتى بين الشعراء الذين تناولوه معارضةً أو تضمينًا أو إعادة توليد لمعناه، فصار فرصة لبث الشعراء هموم الأمة والمجتمع في هذه المناسبة التي يُفترض أن تكون مناسبة فرح لتتحول إلى ترح وحزن، من جهة أخرى تحضر فرحة العيد بشكل باذخ في نصوص الشعراء، خصوصًا الرومانسيين، يهنئون بها أحبابهم، ويبعثون أمنياتهم المليئة بالحب والسعادة لهم.
تخصص أحزان اما الشاعر عباس العاشور فاعتبر أن قصيدة العيد تنأى عنه؛ لأنه متخصص في الحزن الناعم والهموم المدببة كالمسامير -حسب وصفه-، وأضاف: الرحيل عن الحياة أيضًا شيء جميل، فلا يضاهي متعة أن تمشي في طريق سلكه قبلك أبوك ومشت فيه أمك، وعبر منه الكثير من الأحباب باتجاه الغياب الأبدي، لا شيء يضاهي متعة الصعود للأعلى، حيث تتخلص من المكان والزمان والجهات الست التي تحتكرك كعصفور مبلول في قفص الرطب، المشكلة هي كيف يمكنك أن تتحمل فقد الأشياء التي ألفتها واعتدتها في حياتك؟، دارك أو سريرك أو ملابسك أو وجوه أحبابك، أو حتى أغراضك الرديئة التي أعانتك على تحمل عبء الحياة، كيف يمكنك تحمُّل كل ذلك؟، لذلك فأنا لا أكتب في الأعياد.