سالم اليامي

والشهر الكريم رمضان يودع المسلمين، وصل إلى الرياض وزير الخارجية التركي السيد مولود تشاووش أوغلو، الزيارة التي جاءت في وقت حساس بالنسبة لشهر رمضان، ولقرب عيد الفطر السعيد ولأن الجميع يستعد للعيد، بمن في ذلك المسؤولون في الصف الأول في الدولة، إلا أن الجانب التركي أصر على تنفيذ هذه الزيارة، والتي ربما طلب الجانب التركي أن تكون للرئيس التركي لكن المسؤولين في المملكة ربما بينوا للجانب التركي بصورة لطيفة أن من الأفضل أن يكتفى بزيارة السيد وزير الخارجية التركي، وأنه سيلتقي نظيره في الجانب السعودي سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود. وسيبحث معه العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية، وبين الجمهورية التركية. بالإضافة إلى بحث القضايا الإقليمية التي تهم الجانبين وهذا كله تضمنه البيان الرسمي الصادر عن الحكومة التركية قبل بدء الزيارة. وصول الوزير التركي كان مساء الاثنين 10 مايو 2021م الموافق للسابع والعشرين من رمضان 1442هـ ولوحظ وبشكل لافت عند وصول الوزير التركي أنه تم استقباله من قبل أعضاء سفارة بلاده في الرياض، في غياب مستقبلين على مستوى مماثل من الجانب الرسمي السعودي، ومن المؤكد وحسب الإجراءات الرسمية في زيارات المسؤولين الرفيعي المستوى، أن يبلغ الضيف بحيثيات الاستقبال، بمعنى أن الوزير التركي كان يعرف قبل هبوطه من الذي سيكون في استقباله. الإشارة الأخرى أن الرجل في أول صورة له وهو ينزل من سلم الطائرة كان بملابس عادية بمعنى لم يكن مرتديًا ربطة العنق التي تميز، وتحدد الزي الرسمي. وهذه إشارة أخرى على أن الرجل كان يعرف مستوى الاستقبال الممكن في هذا الوقت من الجانب السعودي، وقبل به. وربما لأن الضغط، أو لنقل الإلحاح كان من فخامة الرئيس التركي السيد رجب طيب أردوغان الذي أكثر من الاتصالات بالقيادة السعودية في الفترة الأخيرة، حتى غدا خبر اتصال رئيس الجمهورية التركية بقادة المملكة العربية السعودية الخبر الأهم، والأبرز في ترتيب الأخبار على شاشات التلفزيون الرسمي التركي. لتلخيص زيارة السيد أوغلو للرياض يمكن القول أنها جاءت إنقاذًا لما يمكن إنقاذه من جسم العلاقات السعودية - التركية التي تسببت جملة قرارات سياسية تركية في تراجعها، بل وحتى شحوبها. وتبدأ القصة لهذه الخيارات المتعجلة التركية عشية الأزمة بين دول الرباعي العربي وبين الدوحة في العام 2017م عندما تدخلت الحكومة التركية بشكل ينم عن الاستغراب بعرض نشر قوات تركية في الأراضي السعودية على غرار ما فعلته في مكان آخر محاولة لعب دور محامي الطرفين. وجاءت أزمة مقتل الصحافي السعودي المرحوم الأستاذ جمال خاشقجي وكان للحكومة التركية موقف غير مفهوم فاجأ المملكة على كل المستويات حيث حاولت جهات تركية استثمار هذه الحادثة ولكنها لم تصل إلى شيء في وسط صمود مواقف المملكة، وشفافيتها، على المستويات السياسية، والعدلية، والقانونية. بقيت نقطتان مهمتان اقترفتهما الحكومة التركية في الفترة الماضية في حق المملكة العربية السعودية في أغلب الظن أنهما لن تندملا بالسرعة، والسهولة التي يتخيلها الجانب التركي، وهما التعليقات التركية المسيئة لموقف المملكة في تحالف استعادة الشرعية في اليمن، والتغاضي عن الأدوار المشرفة التي تخوضها المملكة في هذا الميدان، الأمر الآخر يتعلق ببعض التصريحات غير المنضبطة للحكومة التركية حول الأدوار التاريخية والتقليدية للمملكة العربية السعودية في حماية المقدسات الإسلامية، وخدمتها. زيارة السيد وزير الخارجية التركي للرياض في هذا الوقت هي تلبية لحاجات الجانب التركي، وتخفيف الضغوط عليه من كل اتجاه، ومن المتوقع أن تعود العلاقات بشكل تدريجي وبشيء من البطء، الذي يتناسب مع الفهم بأن هناك طرفين لأي علاقة دولية، وأنه من الضروري أن تكون الإرادات السياسية للطرفين متوافقة على استئناف العلاقات، وتطويرها. وهذا ربما العنصر الذي يغيب عن ذهنية السياسي التركي المعاصر الذي لا شك سيستفيد من الدروس السياسية السعودية.

salemalyami@